28 – 08 – 2024 بقلم محسن بلعباس
الجزائر: بين التحديات والخيبات، شعار يبحث عن المصداقية
شعار « من أجل جزائر منتصرة » يتردد بصدى خاص، خاصة في ضوء السنوات الخمس الماضية التي كانت مليئة بسلسلة من الإخفاقات البارزة. هذا الشعار الذي يبدو حاملاً للأمل، يذكرنا بلا شك بالانتكاسات الدبلوماسية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية التي ميزت هذه الفترة. ومع ذلك، لو كان هذا الشعار قد تبناه مرشح آخر غير الرئيس الحالي، لكان ربما لقي صدى أعمق ومصداقية أكبر بين أوساط الشعب.
إنه من المفارقات أن يروج رئيس، بعد فترة ولاية مليئة بالتقلبات وخالية من الإنجازات الكبيرة، لرؤية تتطلع إلى النصر. كيف يمكن التطلع إلى مستقبل منتصر في ظل ترك حصيلة مليئة بالإخفاقات؟ هذه الرسالة التي تدعو إلى طي صفحة الماضي القريب كانت ستكتسب قوة أكبر لو جاءت من صوت جديد يمثل قطيعة حقيقية وتجديداً. وكما هو مطروح، يوحي الشعار بضرورة تجاوز الأخطاء الماضية لفتح الطريق أمام جزائر أكثر ازدهاراً وإشراقاً. ومع ذلك، فإن هذا الطموح كان سيبدو أكثر مصداقية لو كان محمولاً بقيادة جديدة قادرة على إحياء الأمل والثقة في نفوس الأمة.
لنأخذ مثال محاولة الانضمام إلى مجموعة « بريكس »، وهو هدف استراتيجي لم تستطع الجزائر تحقيقه رغم الجهود الدبلوماسية المكثفة. هذا المشروع الذي كان يمكن أن يعزز الوزن الاقتصادي والجيوسياسي للبلاد على الساحة الدولية، كشف بدلاً من ذلك عن حدود السياسة الخارجية الحالية. وبالمثل، فإن المحاولات لإعادة إحياء العلاقات الدبلوماسية مع قوى كبرى مثل فرنسا وروسيا لم تحقق النتائج المرجوة. فالعلاقات مع فرنسا كانت مليئة بسلسلة من سوء الفهم والتوترات، مما جعل أي إعادة إحياء حقيقية معقدة. أما مع روسيا، فرغم المصالح المشتركة، لا سيما في قطاع الطاقة، فإن التوقعات بتعزيز التعاون لم تتحقق بالكامل. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأزمة الدبلوماسية مع إسبانيا، التي تفجرت بسبب الخلافات حول قضية الصحراء الغربية، كانت لها تداعيات اقتصادية كبيرة. ففي عام 2022، تراجعت التبادلات التجارية بين الجزائر وإسبانيا بنسبة 74٪، مما زاد من هشاشة اقتصاد يبحث عن التنويع.
على الصعيد الإقليمي، تدهورت العلاقات مع دول الساحل مثل مالي والنيجر، التي كانت متينة في السابق، في ظل أزمات أمنية وتقلبات سياسية. لقد واجهت الجزائر عقبات كبيرة في محاولاتها للتأثير الإيجابي على هذه المنطقة الاستراتيجية، مما تركها متأخرة وغير قادرة على لعب دور رئيسي في استقرار المنطقة.
أما على الصعيد الاقتصادي، فإن الإخفاقات تضيف المزيد من السخرية إلى شعار « من أجل جزائر منتصرة ». إن تنويع الاقتصاد، وهو هدف دائم للحكومات المتعاقبة، لا يزال وعداً غير محقق. فالجزائر لا تزال تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز. كما أن الجهود المبذولة لإعادة إحياء القطاع الصناعي باءت بالفشل، حيث يساهم القطاع الصناعي بنسبة ضئيلة فقط في الناتج المحلي الإجمالي، ولم تتجاوز نسبة مساهمته 5%. أزمة الدينار، التي تتسم بانخفاض متواصل في قيمته، كشفت عن عجز الحكومة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الإدارة العشوائية للاحتياطيات النقدية، التي تآكلت على مر السنين، ضعف الحوكمة الاقتصادية.
على الصعيد السياسي، كانت الوعود بانفتاح ديمقراطي وزيادة المشاركة الشعبية محبطة. تفاقم مناخ عدم الثقة بين السلطات والشعب، خاصة بعد قمع المظاهرات التي نظمها الحراك، مما خلف شعوراً عميقاً بالمرارة في أوساط المجتمع المدني. الإصلاحات السياسية التي تم الإعلان عنها بشكل مكثف، مثل التعديل الدستوري لعام 2020، لم تنجح في إقناع الشعب، حيث تم اعتبارها محاولات سطحية للحفاظ على الوضع القائم. تهميش المعارضة ونقص الشفافية في العملية الانتخابية زاد من الشكوك وخيبة الأمل، مما عزز الانطباع بأن النظام السياسي متجمد وغير قادر على الإصلاح الذاتي.
على الصعيد الاجتماعي، تزايدت ظاهرة الحراقة، مما يكشف عن عجز الحكومة عن توفير آفاق مستقبلية لشبابها. في عام 2022، قدرت المحاولات غير الشرعية التي قام بها الجزائريون للوصول إلى أوروبا بأكثر من 10,000 محاولة. تفاقمت التوترات الاجتماعية حول الحصول على سكن لائق، حيث تعيش آلاف الأسر في ظروف قاسية أو تنتظر الحصول على سكنات وعدت بها ولم يتم تسليمها. ارتفاع معدل البطالة، خاصة بين الشباب، الذي يقترب من 32% في بعض المناطق، زاد من مشاعر الإحباط واليأس، في ظل غياب آفاق للتحسن.
أما على الصعيد الثقافي، فإن تهميش اللغة الأمازيغية وتراجع التنوع اللغوي يثيران القلق. غياب سياسات ثقافية شاملة ونقص الدعم للفنانين المحليين أدى إلى تدهور المشهد الثقافي. المهرجانات والفعاليات الأخرى، التي كانت يوماً ما جزءاً مهماً من الحياة الاجتماعية، تقلصت أو فقدت بريقها، غالباً بسبب التخفيضات في الميزانية أو عدم الاهتمام من السلطات. كما شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً مقلقاً في قمع النشاط الثقافي المستقل. يواجه الفنانون والجمعيات الثقافية تزايداً في الرقابة، حيث تخضع الفعاليات الثقافية المستقلة مثل المقاهي الأدبية، والندوات، والمعارض، لقيود صارمة أو تُمنع تحت ذريعة الأمن أو التوافق مع المعايير الرسمية. الفنانون الذين يجرؤون على انتقاد النظام أو التطرق إلى موضوعات حساسة يواجهون مخاطر الملاحقات القانونية والعقوبات الصارمة وحتى حظر السفر. هذا المناخ من القيود يخنق الإبداع ويعيق تطور مشهد ثقافي حيوي ومتعدد، مما يساهم في تراجع التراث الثقافي وحرية التعبير الفني في الجزائر. بالإضافة إلى ذلك، يعاني التعليم، الذي يعد ركيزة أخرى للتنمية الاجتماعية، من إصلاحات سيئة التصميم غير قادرة على حل المشكلات الهيكلية في النظام التعليمي.
في الختام، إذا كان شعار « من أجل جزائر منتصرة » يسعى إلى تجاوز الصعوبات الماضية، فإنه بلا شك كان سيكون أكثر تأثيراً ومصداقية لو كان مدعوماً بقيادة جديدة قادرة على تجسيد التغيير وإعادة الأمل لأمة تبحث عن التجديد.
لكن في ظل انتخابات غالباً ما تلعب دور مسرح سياسي، حيث تكون النتيجة معروفة مسبقاً، قد ينتهي هذا الشعار بأن يكون مجرد وعد آخر يبحث عن جمهور يشعر بالخيبة. ففي انتخابات يبدو أن أوراقها قد وزعت بالفعل، هل يمكننا حقاً الحديث عن انتصار؟ أم أن الأمر لا يتعدى كونه مسرحية متكررة، حيث تكون التصفيقات، و الأصوات،تماماً مثل النتائج، مبرمجة سلفاً؟