السفير العربي 01 06 2019
« كيف يمكن تعطيل القدرة على الأذى التي تملكها أجهزة المخابرات والبوليس السياسي الذي يسيج أفقياً وعامودياً المجتمع بكل مؤسساته كما الدولة؟ كيف سيُجبر هؤلاء على الحضور الى طاولة مفاوضات بغاية التوصل الى توافقات تحفظ المصلحة العامة للبلاد؟ تلك هي التحديات أمام التحرك الشعبي العارم المستمر بلا توقف في الجزائر منذ شباط/ فبراير ».
لم يضعف الحراك الشعبي ولا استنفار الشعب الجزائري من أجل الديموقراطية ودولة القانون، الذي انطلق يوم الجمعة 22 شباط/ فبراير 2019، وتكرر مذاك كل أسبوع. بل العكس هو الصحيح. فالجزائريات والجزائريون من مختلف الاجيال ومناطق البلاد، وسواء كانوا يتكلمون العربية أو الأمازيغية أو الفرنسية.. يحتلون الشوارع كل يوم جمعة في كل مدن البلاد بعزم لا يلين. هذه الحشود الضخمة التي تغرق قوات البوليس بشكل سلمي تعبّر أمام العالم، وإزاء النظام عن توقها الى الكرامة في ظل احترام الحقوق والحريات.
استطاع الضغط المذهل، ولكن السلمي والمنضبط والسياسي بامتياز، الذي فرضه الحراك الشعبي أن يمنع أولاً فضيحة تجديد عهدة الرئيس بوتفليقة الذي تردت حالته الصحية بشكل كبير منذ عدة سنوات. لم يكن هناك من يجهل حقيقة ان هذا الرئيس، صاحب النظرة التائهة، والذي يظهره التلفزيون على كرسي متحرك خلال المناسبات الرسمية الضرورية، أصبح منذ زمن طويل مجرد واجهة يتحكم فيها المحيطون به. وقد استقبل الجزائريون إعلان ترشح بوتفليقة كإهانة اضافية غير مقبولة في سياق متواصل من الاحتقار المطلق للشعب. كنس تأثير التحرك الجماهيري المذهل قرار حكّام الظل، لكن استقالة بوتفليقة تحت الضغط أدت إلى أزمة نظام غير مسبوقة.
دخلت الديكتاتورية العسكرية – البوليسية الجزائرية، العاجزة عن التوافق حول مرشح بديل مقبول من كل الأطراف المنتفعة من النظام، في صراع اتخذ أبعاداً استثنائية. فقد تمّ مثلاً اتهام سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المعزول والحاكم الفعلي للقصر، المتحالف مع عدوه القديم الجنرال « الينايري » (*) توفيق، محمد مديّن – الذي ترأس سابقاً جهاز المخابرات وذلك طيلة 25 عاماً – بمحاولة الإطاحة بالجنرال « قايد صالح » رئيس أركان الجيش بهدف فرض حالة الطوارئ والقمع المباشر للحراك الشعبي. ولقد أمر قائد الجيش باعتقال المتآمرين وشركائهم في مجال الأعمال، ومن بينهم أوليغارشيون ذوي نفوذ كبير جداً كانوا حتى ذلك الحين فوق كل محاسبة.
لا يحظى الصراع المفتوح والاستعراضي بين جماعات المصالح باهتمام كبير من قبل الرأي العام الذي يعرف جيداً التردي الأخلاقي للشخصيات التي تسيّر البلاد والذين تُطلق عليهم جماعيا تسمية « العصابة ». في الحقيقة، الجميع يعرفون أن هذه الاعتقالات الاستعراضية لشخصيات مكروهة فعلياً ليس لها من هدف غير الالهاء وهي مناورة يريد النظام من خلالها أن يحوّل أنظار الشعب عن غايته الحقيقية: دمقرطة الحياة السياسية والاجتماعية وانهاء سيطرة العسكر عليها.
لا تنوي أجهزة الجيش والبوليس السياسي – وقادتها هم في أول المطاف وآخره الحكام الفعليون للبلاد منذ استقلالها قبل سبعة وخمسين عاماً – التخلي عن موقعها المهيمن لأي كان. وبالأخص عندما يتعلق الأمر بممثلين شرعيين وقانونيين لشعب تعتبره هذه الأجهزة غير ناضج ولا تكن له أي احترام.
تتمثل استراتيجية هؤلاء القادة اذاً في تجاهل المطالب الشعبية وهي أساساً رئاسة وحكومة انتقاليتين تتكلفان بتحضير انتخابات مجلس تأسيسي، من جهة، ومن جهة أخرى يريدون فرض رزنامة انتخابية متعللين باحترام الدستور، وذلك لتعيين رئيس دولة يخدم مصالحهم.
لكن الشعب فهم جيداً هذه الخدعة وما زال متشبثاً بمطالبه الديمقراطية. اليوم أصبحت العلاقة بين اللاعبين السياسيين الأساسيين في الجزائر، أي الشعب والجيش، عبارة عن « حوار طرشان » ينبغي تجاوزه في أسرع الآجال. فلا مناورات البوليس السياسي المكشوفة دائماً، ولا التصريحات الضبابية لقائد أركان الجيش يمكنها أن ترضي التطلعات الشعبية. كما ان التعويل على استنزاف الحركة يبدو وهماً، فالإصرار العام لم يتراجع قيد أنملة، بل العكس هو الصحيح على الرغم من خصوصية شهر رمضان. وفي كل الأحوال، حتى وان كان على الشعب أن يتنظم سياسياً ويختار ممثليه سريعاً، فإن الكرة هي الآن في ملعب العسكر.
هل سيجد الجيش الجزائري من داخل صفوفه الموارد السياسية اللازمة من أجل العصرنة السياسية للبلاد؟ هذه مسألة مصيرية تتعلق بمستقبل البلاد والدولة. والإجابة ملحة لأنها تمس توازنات الجزائر في سياق جيو – ستراتيجي مضطرب ويبعث على القلق.
في هذا الحوار، يجيب الاقتصادي الجزائري عمر بن درة، المختص في العلوم السياسية والعضو في مجموعة Algeria-Watch للدفاع عن حقوق الإنسان، عن الأسئلة التي طرحتها عليه نهلة الشهال رئيسة تحرير السفير العربي.
جرت المقابلة الصوتية بالفرنسية