جسور للغد . رسالة إلى رابح كاراش.
أنت حر في زنزانتك والصحافة سجينة في قاعات التحرير
« عندما مررت عبر أبواب السجن، كانت مهمتي تحرير الظالم والمظلوم »..
هذا المقطع وارد في مذكرات أكثر شخص عرف السجن.. رجل عاش ما يقارب ربع قرن بين جدرانه، إنه زعيم جنوب افريقيا ورمز النضال الإنساني نالسون مانديلا.. اخترت هذا المقطع ليكون بداية رسالتي لك، لأنك تعيش يومك السادس والأربعين بالسجن، وهي فترة طويلة في الحبس الاحتياطي وقضيتك لازالت قيد التحقيق..
لم يحصل لي شرف لقائك، لكنني متيقن بعد أن قرأت نصوصك أن السجن لا يخيفك لكنه يتعبك، لأن سجنك أتعب عائلتك وأصدقاءك، وهو مجال تنديد كل عشاق الحرية وحرية الصحافة في هذا العالم الظالم.
أشعر بما تشعر به، لأن السجن ليس زنزانة فقط هو جرح، هو عزلة، هو ألم، وأنت تعيش هذا الألم كما يعيشه الكثير من أمثالك، وهو استمرارية لألم بلد دمره أراذل الساسة ومشعوذوها، ممن حولوا السياسة إلى « بولتيك » للاغتناء والترقية الاجتماعية ولقتل السياسة، لقد قتلوا السياسة ودمروا المجتمع، ويسعون لتوريث أبنائهم للاستمرار في أداء هذه المهمة القذرة!!
يا رابح …
أنت تعيش ألم الجزائر في السجن كما عشته خارجه، وتفكر في زوجتك وابناءك وأهلك، وهم الذين عاشوا جحيم صوم شهر رمضان في غيابك، كما لم يعش أبناءك فرحة العيد معك.. العزاء الوحيد يا رابح لمحبيك أنك لم ترتكب جرما ولم تأكل سحتا.. إنك مسجون بسبب كتاباتك الصحفية، رغم أن دستور من سجنوك يمنع العقوبة السالبة للحرية ضد الصحفيين!
أكتب لك هذه الرسالة باللغة العربية وأنا أعرف أن اللغة الفرنسية كانت لغة عملك، أكتب لك بالعربية لأن اللغة الفرنسية هي اللغة المفضلة في الدعاية السياسية لمن سجنوك، وهي اللغة المفضلة لزملائك في المهنة الذين حاوروا مقيم المرادية، أول أمس، حوار كان الهدف منه مخاطبة الفرنسيين، كما خاطبهم سابقا بذات اللغة في قناة الخارجية الفرنسية فرانس 24 في عيد استقلال الجزائر عن فرنسا الاستعمارية.
بهذه اللغة وعبر مجلة يمينية فرنسية متخصصة في بناء جدران الكراهية ضد المهاجرين والمسلمين في فرنسا.. خرق تبون سرية التحقيق وضغط على جهاز القضاء علانية ليتهمك بأنك « تشعل النيران »… وقد غاب عن محاوريه أن يسألوه عمن سيطفئ هذه النيران التي تكون قد أشعلتها وأكثر من 200 عنصر من رجال إطفاء الحرائق تم توقيفهم عن العمل، وقد تستقبل بعضهم زنزانات السجون.. كما لم يطرح هؤلاء السؤال عن أكثر من 200 سجين، ولا عن رقم 25 ألف متظاهر وكيف توصل إليه من حاوروه، ولا عن الكثير من المعلومات غير الدقيقة التي وردت في نص الحوار، وهو أمر مفهوم إلى حد ما، لأن الكثير من الصحفيين في هذا البلد توقفوا عن طرح الأسئلة وعن القيام بالتحقيقات، بل إن الكثير منهم تحولوا إلى أعوان دعاية في الداخل والخارج.
يا رابح.. أكتب لك في سلسة « جسور للغد » وأنا لا أعرفك شخصيا ولم التق بك يوما، وما أعرفه عنك إلا نصوصك الصحفية التي طالعت الكثير منها فور اعتقالك لأنني كنت أريد فهم سبب اعتقالك في جو الدعاية والتلوث الرمزي وتحول مهنة الصحافة إلى مهنة يمارسها الكثير من الذين ينتحلون هذه الصفة.. وقد نجحت في معرفة الكثير عنك بعد اتصالي بمن عرفوك وبعض أصدقائك في المهنة…
اكتب لك وأنت حبيس جدران الزنزانة بأقصى الجنوب، بسبب مقال حول التقسيم الإداري الذي وقع مرسومه مقيم المرادية… أكتب لك في « جسور للغد » وأنت ابن الشمال الذي كان ينقل معاناة الفقراء في تمنراست ، و انت تحاول في كل مرة المساهمة في بناء جسور التعارف بين سكان الشمال والجنوب، حتى تقلص المسافات في بلد قارة كان بالإمكان أن يتحول إلى وجهة سياحية داخلية تدفن الجهوية والكراهية التي غرسها نظام حكم بُني على الاقصاء والكراهية والعنف منذ فتنة الصيف والانقلاب على الحكومة المؤقتة.
أكتب لك يا رابح لأخبرك بالحقيقة التي كنت أحد ضحاياها، أقول لك أن الصحفيين والصحفيات الذين عبروا عن تضامنهم معك لا يتعدى عدد عناصر قاعة تحرير أصغر صحيفة في الجزائر، وأن الكثير منهم منخرطون لممارسة الدعاية الانتخابية كأعوان دعاية أو كمترشحين في اقتراع تشريعي، وفي حملة انتخابية فاترة، ومسيئة ومهينة لعبقرية الشعب الجزائري، حملة ستزيد في إغراق البلد في الفساد والاستبداد، كما أعلمك أن الحوار الصحفي الذي أجراه من فرض في قصر المرادية أول أمس، سهر على الكثير من تفاصيله مدير الإعلام في الرئاسة الذي عمل لسنوات عديدة مستشارا مكلفا بالاتصال في شركة سيفتال عند اسعد ربراب مالك الجريدة التي تعمل بها، وأن الجريدة لا تمارس أي شكل من أشكال الضغط من أجل وقف حبسك المؤقت، وأن جزائر تبون تسمح لربراب بخرق قانون العمل مع عمال شركة أخرى من شركاته « نوميلوغ »، وبأن قوات الأمن تم استخدامها لقمع الاحتجاجات العمالية من ضحايا ربراب، وهو أمر كاف لفهم علاقة السياسة بالمال في جزائر من خلف بوتفليقة.. أقول لك ذلك وأنا أعرف ذكاءك، فرأس المال جبان، وربراب يواصل مهمته التي بدأها في تسعينيات القرن الماضي وهي استخدام شبكاته وصحيفته كدعامة دعاية واتصال لمساندة نظام حكم جعله أحد أهم أثرياء افريقيا، وأحد أهم المستثمرين الجزائريين في فرنسا ماكرون التي تحيي « شجاعة تبون » كما حيت شجاعة رئيس تشاد.. فرنسا الشبكات المرتبطة بمختلف شبكات إفريقيا، فرنسا التي تستعد لانتخابات رئاسية في ماي القادم، والتي كثيرا ما كانت حملاتها الانتخابية تمول من مستعمراتها السابقة.
يارابح، تذكر في هذه الليالي الظلماء في زنزانتك أن فجر الحرية مهما طال فإن بزغوه حتمية طبيعية و تاريخية، وأن سجنك سيحرر الظالم والمظلوم كما قال مانديلا، وتذكر أن الإنسانية تذكر مانديلا ولا تذكر دوكلارك، وتذكر غرامشي ولا تذكر موسوليني.. تذكر يا رابح أن المفكر أنطونيو غرامشي الذي بدأ صحفيا حول زنزانة سجنه إلى ورشة كتابة، علم الناس منها الحرية وهو سجين، فأنت الحر وزملاءك الصحفيين سجناء، لأن الكثير منهم لا يمارس الصحافة بل ينتحل هذه الصفة.
يارابح.. سجنك مؤلم، زنزانتك مظلمة، وضغط مقيم المرادية على القضاء فضيحة بل خطيئة مكتملة الأركان، لكنك رغم كل هذه الممارسات ستخرج يوما من الزنزانة، وسيكون سجنك ذكرى من الماضي، لكنه محطة في درب بناء جزائر أخرى، جزائر تبني جسور التوافق، جزائر تمارس فيها قوة السياسة عوض سياسة القوة، الجزائر التي لن يسجن فيها أحد بسبب كتاباته وآرائه ومعتقداته، لذلك كله أقول لك صبرا صبرا صبرا، فإن الفرج قريب، رغم أن موظفي السياسة يرونه بعيدا..
يا رابح.. أنت حر في زنزانتك، والصحافة سجينة في قاعات التحرير…
الجزائر في 03 جوان 2021
رضوان بوجمعة