novembre 28, 2022
15 mins read

شعب كان يريد أن يفرح في مونديال قطر

ناصر جابي 27 11 2022 www.alquds.co.uk

قد يكون المشجع الجزائري هو الوحيد الذي ذهب إلى الدوحة بهذا الكم الكبير نسبيا، للتعبير عن فرحه، رغم عدم تأهل فريقه الوطني إلى مونديال قطر، وهو ما بدا على شكل «اضطراب» في سلوك المشجعين الذي غنوا ورقصوا، ودخلوا في مناوشات كلامية مع بعض المشجعين الآخرين، من دون أن يركزوا على طرف منافس بعينه لغياب فريقهم الوطني عن البطولة.

مشجعون معروف عنهم خفة الظل والتعبيرات الفنية بواسطة أغانٍ وأهازيج أصبحت جزءاً من التراث الوطني عند هذه الأجيال من الجزائريين، تحول ملعب كرة القدم إلى المجال الوحيد أمامهم للتعبير عن فرحهم وحبهم للحياة، من دون أن ينسوا التعبير عن مواقفهم السياسية، مجال افتكوه من سيطرة السلطة، بأعدادهم الهائلة الحاضرة في مقابلات كرة القدم، خاصة تلك التي كان يلعب فيها الفريق الوطني، في مجتمع شباب، سدت أمامه كل وسائل الترفيه والتعبير، بعد أن أغلقت قاعات السينما والمسرح، وسيطرت مسحة حزن وجدية مبالغ فيها أقرب لمنطق النفاق الاجتماعي – الديني، تبنته نخب حاكمة، توجهت مع الوقت أكثر فأكثر نحو الأفكار المحافظة، وأفرغت العقيدة الوطنية من بعدها العصري المتفتح على العالم والحياة.

ذهب المشجع الجزائري للدوحة للمشاركة في مونديال قطر، لأنه لم يستوعب أن فريقه الوطني قد أقصي فعلا من المنافسة، ولن يكون حاضرا في الدوحة، موقف بناه المشجع الجزائري على الصورة التي ظهر فيها الفريق تحت قيادة مدربه الوطني جمال بلماضي لمدة سنوات، حصل فيها على كأس افريقيا للأمم، وهو يحقق الانتصار تلو الانتصار لفترة طويلة في طريق وصوله إلى الدوحة، أهلت الفريق لدى أصحاب الاختصاص للوصول إلى الدوحة، التي أقصي منها في آخر دقيقة، بعد منافسة على أرضه وملعبه وبحضور جمهوره بعد فوزه على الفريق الكاميروني المنافس في بلده وأمام جمهوره. إقصاء له أكثر من سبب بعيد وقريب، يمكن أن نتكلم عنه، خارج مجال التخصص في كرة القدم، لعل على رأس هذه الأسباب، ذلك التسييس المبالغ فيه لنتائج الفريق الوطنية الرياضية، من قبل نظام سياسي، كان في حاجة للتعلق بأي قشة، يمكن أن تقربه من القاعدة الاجتماعية لهذه اللعبة الرياضية الشعبية، في المدن الكبرى والمتوسطة التي يعيش فيها أغلبية الجزائريين، الذين عبّروا منذ سنوات بعدة أشكال عن نفورهم من النظام السياسي، وصلت إلى قمتها في الحراك، حين تحولت أهازيج ملاعب كرة القدم إلى شعارات أسبوعية له، يرفعها المواطنون بعد أن تم تبنيها من الجزائريين في مسيراتهم الأسبوعية لمدة أكثر من سنتين، من دون نسيان النتائج الأخرى لهذا التسييس المبالغ فيها، من قبل إعلام النظام ورجاله، النتائج التي وضعت أبناء الفريق الوطني ومدربه تحت ضغط نفسي وسياسي كبيرين، حوّل لعبة رياضية كان يفترض أن تكون للترفيه والفرح إلى منافسة مصيرية، منافسة حياة أو موت.

أسباب أخرى يمكن أن تفسر هذا الإقصاء في الوصول إلى مونديال قطر على رأسها ما له علاقة بالسياسية الرياضة ذاتها، فالبلد كان من دون هياكل رياضية عصرية بالعدد الكافي والنوعية المطلوبة، حتى بعد المجهود الذي بذل في السنوات الأخيرة، على الرغم من كم الفساد الذي ارتبط به، وما لحقه من تأخير في الانتهاء من المشاريع في وقتها المحدد، باستثناء تلك التي تم بناؤها في بداية السبعينيات – ملعب خمسة جويلية في العاصمة كعينة. بلد من دون بطولة وطنية لكرة القدم يمكن أن تكون خزانا للفريق الوطني يعتمد عليه في بناء فريق وطني، وجد ضالته السهلة في أبناء المهاجرين الموجودين على التراب الفرنسي، استغل فيها وطنيتهم وحبهم للبلد، من دون أن يفكر في الاعتماد على البطولة الوطنية التي تركها تحت سطوة الفساد المالي وسوء التسيير. في وقت تحول فيه البارونات الموجودون على رأس الفرق المحلية لكرة القدم إلى وجوه جديدة داخل النخبة الرسمية، استغلها النظام كقاعدة اجتماعية جديدة، وهي تعيش حالة توسع دائم، للتقرب من الجزائريين، كما كان الحال في الغالب بمناسبة الانتخابات والأزمات السياسية الكثيرة، التي يمر بها دوريا النظام السياسي الذي فقد الكثير من قاعدته الشعبية، فتحول إلى الاعتماد على هذه القوى الطفيلية، التي تعامل معها في البداية كوسيط لتتحول مع الوقت إلى قاعدة أصيلة له، كما ظهر مع رجل الأعمال علي حداد، الذي كان يملك مشروعا واضحا للهيمنة السياسية، حقق جزءا منه على الأرض خلال فترة حكم بوتفليقة، بعد أن تمكن من الوصول إلى بناء امبراطورية إعلامية – قناة تلفزيونية وجرائد باللغتين – ختمها بالوصل إلى رأس أكبر فريق رياضي لمدينة العاصمة – اتحاد العاصمة ـ زيادة على السيطرة على مشاريع بناء ملاعب كرة القدم التي عرفت في وقته تأخيرا في الإنجاز وأشكالا متعددة من الفساد المالي.

الأهم من الذهاب إلى قطر من دون فريق، ما يحصل على مستوى النقاش الوطني والإعلامي حول هذه الهزيمة للفريق الوطني في الوصول إلى قطر، بعد أن انصب النقاش بشكل يكاد يكون مرضي، على أخطاء الحاكم الغامبي قساما الفعلية أو المتخيلة، بدل فتح نقاش وطني جدي حول السياسية الرياضية في البلد التي تؤكد كل المؤشرات أن الجزائر قادرة على تجاوز حالتها السلبية الحالية، في كرة القدم تحديدا، وغيرها من الرياضات الشعبية في مجتمع شاب، يعرف طلبا كبيرا على الممارسة الرياضية، وقلة في العرض بكل أنواعه الرسمي والجمعوي، سياسة رياضية تبعد كرة القدم من استعمالها كمتنفس وحيد أمام الشباب، رغم إصرارهم على التوجه نحو الملاعب كل أسبوع، رغم ما يتعرضون لها من سوء معاملة وشروط استقبال أكثر من سيئة، تزيد أسبوعيا من درجة الاحتقان الاجتماعي والسياسي، في لحظة كان يفترض أن تكون فرصة للفرح والترفيه عن النفس، كما شاهدوه في الدوحة حتى وهم من دون فريق وطني، كان ممكن أن يناصروه ويفرحوا بانتصاراته.

ناصر جابي كاتب جزائري

Laisser un commentaire

Your email address will not be published.

Article précédent

المبلِغ عن الفساد مصيره التعذيب والسجن، والمبلَغ عنه مصيره الحماية والترقية

Article suivant

IRZAZEN – Podcast 03 – 04 DECEMBRE 2022

Latest from Blog

منظمة حقوقية تدين سجن ناشطة في الجزائر بتهمة الإرهاب بسبب أغنية

أعربت منظمة « شعاع » لحقوق الإنسان عن استيائها لإقدام السلطات الأمنية في الجزائر على اعتقال الناشطة الجزائرية جميلة بن طويس وما تعرضت له من تهم رأت المنظمة أنها « كيدية » من قبل السلطات على خلفية ممارستها لحقها في

« اليمين التكنلوجي »…كيف أصبح « وادي السيليكون » متطرفًا

« اليمين التكنلوجي »…كيف أصبح « وادي السيليكون » متطرفًا .تحليل موقع « ميديا بارت » الاستقصائي الفرنسي عبر صفحة الكاتب والصحافي خالد حسن: مدير تحرير صحيفة الأمة الإلكترونية إيلون موسك وبيتر ثيل، على رأسهم، يجمع اليمين التكنولوجي

BENHALIMA M. AZZOUZ, TORTURÉ EN DÉTENTION

ANCIEN OFFICIER MILITAIRE ALGÉRIEN, BENHALIMA M. AZZOUZ, TORTURÉ EN DÉTENTION, ALKARAMA APPEL URGENT AU RAPPORTEUR SPÉCIAL DE L’ONU SUR LA TORTURE Source : https://www.alkarama.org/en/articles/former-algerian-military-officer-benhalima-m-azzouz-tortured-detention-alkarama-urgently Le 12 mars 2024, Alkarama s’est adressée en
Aller àTop