septembre 18, 2019
14 mins read

لماذا يرفض غالبية الجزائريين الانتخابات في هذا الوقت؟

بقلم مبروك سعدي 16 سبتمبر 2019

منذ الأيام الأولى التي تلت إقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة و  » السلطة الفعلية  » في الجزائر تناور و تعمل كل ما في وسعها حتى لا تسلّم السلطة للشعب تسليما حقيقيا ، رغم وعودها المتكررة بالاستجابة له و تحقيق كل مطالبه .

لم تكن الإستعانة بالأخضر الإبراهيمي و لعمامرة في بداية مشوار البحث عن المخرج الآمن و بأقل الخسائر – إن صح التعبير – سوى خطوة أولى في المناورة و محاولة احتواء الأزمة بالالتفاف على المطالب ، إلا أن الحراك المتمسك بمطلب رحيل كل رموز النظام رفض أن يكون الحل عن طريق هذين الرجلين باعتبارهما رمزين من رموز  » نظام العصابة  » فباءت هذه الخطوة بالفشل ، و أُجهضت هذه الخطوة ، و اختفى الرجلان من المشهد بعد أن تم التعويل عليهما و على حنكتهما السياسية كثيرا !

عرفت هذه الفترة تحديدا الكثير من المبادرات تقدمت بها أحزاب و منظمات و جمعيات و شخصيات سياسية و وطنية ذات وزن ، طرحت فيها تصورها لحل الأزمة القائمة ، إلا أن  » السلطة  » أدارت لها ظهرها و رفضت عمليا جميع ما طُرح و كانت كل مرة تقابل ما يطرح بما تراه هي حلا مناسبا على قاعدة :  » ما أوريكم إلا ما أرى  » ، مرة عن طريق الرئيس  » الصوري  » و في الغالب عن طريق قائد الأركان ، نائب وزير الدفاع الذي اعتاد الجزائريون انتظار خطابه كل يوم ثلاثاء .

بعد مخاض عسير اهتدى  » صناع القرار  » إلى بعض الشخصيات السياسية المحسوبة على التيار الفرنكوفوني ، و المنبوذة شعبيا لسابقتها السياسية ، و شكلّوا منها ما سمّوه :  » لجنة الحوار و الوساطة  » كانت مهمتها بالأساس القيام بالحوار و المشاورات نيابة عن  » السلطة  » مع مختلف التشكيلات و الشخصيات السياسية ، و جمعيات المجتمع المدني ، و بعض شباب الحراك الذين رشحتهم الإدارة على مستوى ولاياتهم .. و بالرغم من الرفض الشعبي الواسع للجنة كريم يونس إلا أنها استمرت في عملها بدعم من  » السلطة الفعلية  » و خلصت في نهاية المطاف إلى جملة من المخرجات أريد لها أن تكون أمرا واقعا بحثا عن طريق آمن للذهاب إلى انتخابات رئاسية في أقرب الآجال لكن لا كما يريد الشعب و إنما على مقاس السلطة .

كلنا يتذكر تصريحات رئيس لجنة الحوار التي كان يشدد فيها على أنه لا ينبغي إقصاء أحد من الحوار باستثناء أحزاب الموالاة .. و هذا ما كان بعضه فعلا ، إذ تم إقصاء كل من الأفلان و الأرندي و تاج و الأمبيا و لم تستدع لجنة كريم يونس واحدا من هذه التشكيلات للمشاورات التي عقدتها ، و انتهت إلى تقريرها النهائي الذي سلّمته إلى رئيس الدولة  » الصوري  » دون أن تكون لهؤلاء بصمة فيه !!

من بين ما خلُص إليه التقرير : إنشاء هيئة جديدة تكون بديلا عن الهيئة الوطنية المستقلة لمراقبة الإنتخابات ، سميت ب  » السلطة الوطنية المستقلة للإنتخابات  » ، مهمتها : تحضير العملية الإنتخابية و الإشراف عليها ، و تتمتع بكل الصلاحيات بعيدا عن  » الإدارة  » كما قيل !

كما خلص أيضا إلى تغيير  » شكلي  » لبعض مواد قانون الإنتخابات !

و لنا مع هذا وقفات :

1- إذا كانت هذه اللجنة فعلا استثنت أحزاب الموالاة من المشاورات ثم ما قررته قُدّم إلى البرلمان بغرفتيه ليصادق عليه نواب الأغلبية الذين هم من أحزاب الموالاة .. فما الفائدة من إقصاءهم من المشاورات ؟!
هل هو الغباء السياسي ؟ أم هو محاولة استغباء الغير بإيهامهم أن من كان سببا في الأزمة لا يحق أن يكون له أي دور في التأسيس لمستقبل الجزائر السياسي .. في محاولة بائسة لتحجيم الحراك و تشتيت صفوفه ؟!
و اليوم رأينا كيف ( عيّن ) كريم يونس أعضاء السلطة الوطنية للانتخابات و تم تنصيب الوزير السابق محمد شرفي الذي شغل مديرا لحملة بوتفليقة في إحدي ولايات الشرق الجزائري و تقلّد منصب وزير العدل مرتين في فترة حكمه ..! في خطوة واضحة لفرض الأمر الواقع و محاولة الالتفاف على الحراك الشعبي و سرقة مطالبه .

2- بعيدا عن الحديث عن دستورية هذه  » السلطة  » من عدم ذلك ، و مناقشة دور  » الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات  » المستحدثة بموجب المادة 194 من الدستور الجزائري في آخر تعديل له ، و التي سيتم تعطيل العمل بها ! .. لنفترض أن  » السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات  » التي اهتدت إليها لجنة كريم يونس نظّمت و أشرفت على انتخابات حرة و نزيهة ، ثم رأى المجلس الدستوري ( الإدارة ) عدم دستورية هذه الانتخابات و وجوب إلغاءها ، مثلا بناء على جوهر الطعون التي يتلقاها بعد العملية كما في المادة 182 من الدستور ، فهل بإمكان هذه  » السلطة  » رفض قرارات المجلس الدستوري ؟!

و إذا كان لا ، و هو الواقع .. فأين هي صلاحياتها و استقلاليتها البعيدة عن الإدارة التي جاءت في التقرير ؟!

3- كل ما قامت به لجنة الحوار و ناقشه و صادق عليه برلمان  » الموالاة  » هو مجرد  » رتوشات  » لا ترقى لتغيير الوضع السياسي العفن ، لأن جوهر القضية لا يتعلق بإصلاحات جزئية أو تعديلات طفيفة و إنما بواقع قائم يجب أن يتغيّر بشكل كلي .

لذلك فإن أي حديث عن الانتخابات في هذه الظروف هو التفاف صريح و سرقة واضحة لمطالب الحراك ، فضلا عن كونه استهتارا على الأقل بشريحة واسعة من الشعب طالبت و لا تزال بحل حقيقي يكون عبر آليات واقعية و موضوعية ، لأن المشكلة الحقيقة اليوم لا تكمن في ضرورة التسريع باختيار رئيس للبلاد أيّا كان هذا الرئيس بقدر ما هي في تهيئة الشروط الواقعية و الموضوعية قبل إجراء أي استفتاء ، و لن يكون ذلك إلا عبر حوار حقيقي جامع و جاد و صريح لن يُستثنى منه أحد بما في ذلك المؤسسة العسكرية ، يتم من خلاله رسم أسس معالم مستقبل الدولة الجزائرية الراشدة ، و وضع الآليات التي تمكن الجزائريين من بناء مؤسسات الدولة بناء قويا .

0 Comments

Laisser un commentaire

Your email address will not be published.

Article précédent

هل تتجه الجزائر نحو أسوأ السيناريوهات؟

Article suivant

الترهيب يقتل الانتخابات لا الثورة السلمية.

Latest from Blog

Aller àTop