janvier 22, 2023
13 mins read

نكاز.. مأساة الإنسان ونعي السياسة

نكاز.. مأساة الإنسان ونعي السياسة

نجيب بلحيمر 22-01-2023 على فايس بوك

بطريقة مأساوية خرج رشيد نكاز من المشهد السياسي، فبعد رسالة وجهها إلى السيد تبون في العاشر من ديسمبر الماضي يعلن فيها صراحة توقفه نهائيا عن ممارسة السياسة

جاء الرد بعفو رئاسي صدر يوم 18 جانفي الجاري وبموجبه غادر نكاز سجن الحراش الذي كان يقضي فيه عقوبة بالسجن لخمس سنوات.

لم يذكر الإعلام الرسمي القرار الذي بموجبه أطلق سراح نكاز ولا مبررات ذلك القرار، والمصدر الوحيد الذي نقل الخبر هو الصفحة الرسمية لنكاز على فيسبوك والتي استعمل فيها وصف « العفو الاستثنائي » عند حديثه عن قرار تبون، وبدل أن يصدر بيان رسمي بهذا الشأن نسبت بعض وسائل الإعلام الخاصة الخبر إلى مصدر مسؤول لم تكشف عن هويته.

في رسالة نشرها بعد إطلاق سراحه شكر نكاز تبون على قرار العفو وهنأه « على فلسفته في المصالحة الوطنية لصالح جميع الجزائريين في الولايات الـ 58 والشتات دون تمييز (باستثناء جرائم الدم) والتي ستسمح – نتمنى جميعًا – بكتابة صفحة جديدة في وطن جديد وسلمي. في بلاد الشهداء »

وقد تضمنت الرسالة أيضا مناشدة لتبون بالسماح له بمغادرة الجزائر إلى الولايات المتحدة الأمريكية للالتحاق بعائلته ومباشرة العلاج من الأمراض التي يعاني منها، مع العلم انه كان قد منع من السفر سنة 2021 بعد أن غادر السجن بعفو شمل جزء من معتقلي الرأي، وكان محاموه قد نبهوا في مرات عديدة إلى تدهور وضعه الصحي خاصة مع إصابته بالسرطان.

إعلان نكاز اعتزال النشاط السياسي نهائيا كانت له مقدماته، ولعل الصدمة التي تلقاها، إضافة إلى الثمن الفادح الذي دفعه من حريته وصحته، هو ما يعتبره تقاعس الجزائريين عن نصرته أو التضامن معه، رغم أنه توجه في رسالته « بالشكر الجزيل لجزء كبير من الشعب الجزائري الذي أظهر دعمه الراسخ وتعاطفه من خلال الشبكات الاجتماعية في كل من الجزائر وخارجها لمدة 10 سنوات » .

في تصريحات بعد فترة من خروجه من السجن في فيفري 2021 كان قد وجه انتقادات لاذعة لعامة الجزائريين واستغرب كيف كانوا يعيشون حياتهم بطريقة عادية ويستمتعون في حين كان هو يقبع في السجن، وكانت تلك التصريحات التعبير الأوضح عن فكرة نكاز عن ممارسة السياسة في الجزائر وعن دوره فيها، فهو ينطلق من ذاته ويتمحور حولها بالأساس، ومن هنا فإنه بات يعتبر اليوم أن استفادته من عفو استثنائي دليل على مصالحة وطنية ستفتح صفحة جديدة في وطن جديد، ولا يذكر نكاز شيئا عن بقية المعتقلين الذين يقبعون في السجون، فطلبه التالي هو السماح له بمغادرة الجزائر.

ليس هذا لوما لنكاز ولا انتقاصا من تضحياته ولا نكرانا لنضاله السياسي الذي حرك مياها راكدة منذ سنوات قبل انطلاق السلمية، لكن لابد من الاعتراف بأن رؤية نكاز للسياسة تقوم على تمركز شديد على الذات، وهو ما يفسر تلك الحيلة الغريبة التي جعلته يجمع التوقيعات للانتخابات باسم ابن عمه الميكانيكي الذي صدم الجزائريين وهو يتحدث بصفته رشيد نكاز الذي منحه الآلاف توقيعاتهم، وكان ذلك المشهد الذي ينم عن استخفاف بالنظام القائم وبالجزائريين على حد سواء، صورة بائسة عن حالة الانهيار التي وصلت إليها البلاد.

ثم إننا نجد ذلك التمركز على الذات مرة أخرى عندما يعتذر نكاز اليوم للمحامين الذين دخلوا السجن باعتباره مسؤولا عن حبسهم وكأن هؤلاء المحامين لم يدافعوا عن القانون ومبدأ العدالة وإنما ساروا خلفه كمريدين أو مناضلين.

بالنسبة لنكاز يكفي هذا، فالمرجو الآن هو أن يتمكن الرجل من الاهتمام بصحته، لكن الطريقة التي غادر بها السياسة، وهو الثمن الذي دفعه على ما يبدو ليغادر السجن تشير إلى ما هو أخطر بالنسبة للجزائريين عامة.

جاء خروج نكاز من السياسة، ومن السجن بعدها، في سياق تضييق شامل على الحريات، وقبل الإعلان عن إطلاق سراحه بأربعة أيام كان أحد وجوه الفترة البوتفليقية ممثلا في نور الدين بن براهم ينصب رئيسا جديدا للمرصد الوطني للمجتمع المدني الذي يمثل التجسيد الفعلي لمفهوم المجتمع المدني لدى السلطة، مفهوم يقوم على تصفية الجمعيات المستقلة من خلال متابعتها أمام القضاء وحلها كما هو الشأن مع جمعية راج ثم الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ، والاعتماد على مجتمع مدني مصطنع يلعب دور الواجهة الداعمة للسلطة بنفس الطريقة التي كانت سائدة منذ فترة اليامين زروال.

ما يثير الانتباه فيما يجري هو أن السلطة جعلت إفراغ الساحة من أي نشاط سياسي أو جمعوي حقيقي هدفا حيويا لها بعد أن أحكمت قبضتها على وسائل الإعلام، فلم تجد هذه السلطة أي حرج في العفو عن نكاز دون إعلان رسمي بعد أن أعلن عن اعتزاله السياسة، ولم تكلف نفسها إلى حد الآن عناء إسقاط هذا الربط المشين بين الأمرين، وهذا يحمل رسالة واضحة مفادها أن ممارسة السياسة باتت مستحيلة في الجزائر إلا إذا اقتصرت على تزكية خيارات السلطة والدعوة إلى المشاركة في الانتخابات التي تنظمها بشكل دوري، ويمثل الصمت المريب لما هو موجود من أحزاب سياسية حيال هذا الوضع علامة على وصول الرسالة والالتزام الكامل بمضمونها.

Laisser un commentaire

Your email address will not be published.

Article précédent

Qui finance qui ?

Article suivant

Urgence Algérie : contre la répression, solidarité internationale. Communiqué LDH – FIDH – OMCT

Latest from Blog

Aller àTop