mars 26, 2021
14 mins read

الجدير بالذكر – يوم ضد نسيان ضحايا الإرهاب

الجدير بالذكر
2021 نجيب بلحيمر على فايس بوك 25 مارس

قبل ثلاثة أيام أطلق مغردون على تويتر هاشتاغ #مانسيناش بمناسبة الثاني والعشرين من مارس الذي اعتمدوه يوما ضد نسيان ضحايا الإرهاب، وتحت هذا الوسم وردت شهادات عما جرى في الجزائر خلال التسعينيات، شهادات فردية أو روايات منقولة عن أفراد العائلة، فمن المغردين من لم يكن قد ولد آنذاك، ومنهم من لم يعش تلك الفترة العصيبة في الجزائر أصلا، لكن الأمر في النهاية تم تقديمه بصيغة جمع المتكلم، ففي أيامنا هذه يجري التكتل تحت عناوين مختلفة في مواجهة الآخر الذي يتحول في كثير من الأحيان إلى عدو لا يمكن التعايش معه، وليس المقصود هنا أولئك الذين تلطخت أيديهم بدماء الجزائريين فحسب بل يشمل التصنيف أصحاب رأي مخالف وورثة إيديولوجية مغايرة تصنف بكل بساطة بأنها منتجة للإرهاب.

مانسيناش بصيغة جمع المتكلم تستبطن تمثيل المجتمع أو جزء منه، وهي بطريقة ما إعادة صياغة لتلك العبارة المخيفة التي أطلقها البعض في مصر وهو يتحدث عن الخصوم السياسيين من الإخوان المسلمين « هم شعب ونحن شعب » وهو أسوأ ما يمكن أن يسببه الخلاف بين أبناء أمة واحدة، وفي الحالة الجزائرية حيث يتقاطع إخراج عفاريت التسعينيات مع رغبة واضحة لسلطة مأزومة في توظيف هذه الورقة، يتضح مجددا أن الموقف المعبر عنه اليوم هو مزيج بين الرغبة في استعادة أحداث العشرية الدموية وتوظيفها سياسيا، وفرض رواية للأحداث على أنها الحقيقة المطلقة، وتفنيد ما عداها من الروايات، بل إنها في النهاية تحتكر صفة الضحية.

ليس بوسعنا أن ننسى ما جرى، وليس مطلوبا منا ذلك كأفراد، لكن التقدم على طريق المستقبل يتطلب منا أن نتجاوز، كأمة، ما جرى، وأن لا نسمح لنظام سياسي متهالك أن يحول مآسي الماضي القريب إلى فخ نعلق فيه جميعا ونفشل في الانتقال إلى وضع مختلف تماما.

ما لا يجوز نسيانه اليوم هو أن السلطة هي من سعت إلى إسكات الحقيقة حول ما جرى، وقد جرمت البحث عن الحقيقة والعدالة بنص قانون سمته ميثاق السلم والمصالحة، وقبل أيام فقط كان الناطق الرسمي باسم الحكومة يلوح بهذا القانون تهديدا لمن يتمادى في تحديه للسلطة، وعندما كان دعاة العدالة والحقيقة يسجلون تحفظاتهم على هذا القانون ويصفونه بأنه قانون « اللاعقاب » كانت تهمة السعي إلى النفخ في رماد الفتنة جاهزة لتطارد هؤلاء، وقد قدم منظرون، يقفون في صف السلطة اليوم، مبرراتهم « العلمية » المؤسسة على خلاصة تجارب أمم أخرى لهذا الخيار الذي لم يقنع آلاف العائلات التي لم تعرف مصير من فقدتهم، ولم يقنع ضحايا الإرهاب بالتعايش مع من حملوا السلاح بالأمس.

يجب أن نتذكر أن بوتفليقة هو من أخرج لنا رقم 200 ألف قتيل، وأن مسؤولا رفيعا هو من استعمل مصطلح الحرب الأهلية، لكن السلطة وكعادتها لم تحفظ عهودها ولم تنجز وعودها.. نعم لقد دعي الجزائريون إلى الاستفتاء مرتين للفصل فيما اختارت له السلطة تسمية « المأساة الوطنية » وهي تسمية تضع ما جرى في خانة الكوارث الطبيعية التي لا يتحمل مسؤوليتها أحد، لكنها لم تتورع أبدا عن إخراج هذه الفزاعة كلما رأت أن ذلك قد يخدم خطتها لإطالة أمد تغييب الإرادة الشعبية.

قدمت المصالحة الوطنية كإنجاز كبير لتبرير بقاء بوتفليقة في السلطة رغم العجز والمرض، لكن عودة الأمن لا تقدم ضمانة كاملة بالاستقرار حتى أن صور المجازر الجماعية عادت إلى التلفزيون لفرض العهدة الخامسة، وأكثر من ذلك لم تتردد السلطة في عهد قائد الأركان السابق في غض الطرف عن تحميل قيادة الجيش في التسعينيات مسؤولية الكارثة التي حلت بالبلاد، فقد رأى أحمد قايد صالح أن الهجوم الذي طال خصومه الذين سجن بعضهم ودفع بالبعض الآخر إلى الفرار خارج البلاد مفيد له حتى ولو كان يحمل اتهاما صريحا لقيادة الجيش السابقة بالمسؤولية عن خراب البلاد في التسعينيات، وأرشيف فيسبوك غني بالشواهد التي تثبت هذا التوجه الذي أكده حتى رئيس حمس عبد الرزاق مقري الذي وقف في تلك الفترة من الشك العظيم ليقول  » لا شك أن القيادة الحالية للجيش ليست قيادة التسعينيات » وكان بذلك يزكي مقولة القيادة النوفمبرية للجيش التي كان يرددها أحمد قايد صالح.

اليوم عدنا إلى نقطة البداية، وعاد التذكير بالإرهاب، وصار الحديث عن رواية أخرى غير رواية خالد نزار نزعة تحريفية يجب تجريمها، وصار جائزا استدعاء رعب التسعينيات لتبرير النكوص عن مطلب التغيير الذي يصر عليه الجزائريون، وكل هذا يشترك فيه محسوبون على « المعارضة » مع سلطة لا تخفى نزعتها الاستبدادية على أحد.

ضحى النظام السياسي بجيلين من الجزائريين من أجل استمراره، وأهدر على البلاد فرصة تاريخية للانتقال نحو الديمقراطية، وأعادنا عقودا إلى الوراء على كل المستويات الاقتصادية والثقافية، والأسوأ من هذا كله أنه حول دماء عشرات الآلاف من الضحايا إلى وقود لاستمراره رغم فشله وانعدام كفاءته التي تدفع البلاد نحو التفكيك بأبشع الصور، وأكبر جريمة يمكن أن ترتكب في حق الجزائر اليوم هو أن يورث هذا الجيل الذي صنع السلمية تلك التركة الدموية البشعة، وأن يصادر حقه في بناء جزائر حرة وتعددية ومنفتحة يتعايش فيها الجميع.. لا تعدنا السلطة إلا بالشمولية والقمع والاستبداد وكل من يجد تقاطعا بين مشروعه ومشروع السلطة وخطابها وممارستها فهو متورط في إجهاض التغيير.

Laisser un commentaire

Your email address will not be published.

Article précédent

العقل السياسي وبناء التحول الديمقراطي – رضوان بوجمعة

Article suivant

القضاء الجزائري يأمر بإيداع 24 شخصاً الحبس المؤقت بتهمة “المساس بوحدة الوطن”

Latest from Blog

« اليمين التكنلوجي »…كيف أصبح « وادي السيليكون » متطرفًا

« اليمين التكنلوجي »…كيف أصبح « وادي السيليكون » متطرفًا .تحليل موقع « ميديا بارت » الاستقصائي الفرنسي عبر صفحة الكاتب والصحافي خالد حسن: مدير تحرير صحيفة الأمة الإلكترونية إيلون موسك وبيتر ثيل، على رأسهم، يجمع اليمين التكنولوجي

BENHALIMA M. AZZOUZ, TORTURÉ EN DÉTENTION

ANCIEN OFFICIER MILITAIRE ALGÉRIEN, BENHALIMA M. AZZOUZ, TORTURÉ EN DÉTENTION, ALKARAMA APPEL URGENT AU RAPPORTEUR SPÉCIAL DE L’ONU SUR LA TORTURE Source : https://www.alkarama.org/en/articles/former-algerian-military-officer-benhalima-m-azzouz-tortured-detention-alkarama-urgently Le 12 mars 2024, Alkarama s’est adressée en
Aller àTop