juillet 28, 2019
30 mins read

الجزائر الجديدة. علمانيو « الدمار » و إسلاميو « البازار » بقلم رضوان بوجمعة

تحرير وتصوير رضوان بوجمعة

1- الجزائر الجديدة 63. علمانيو « الدمار »!

ستبني الجزائر عهدا جديدا مع الممارسة السياسية، عندما ينتج المجتمع نخبا سياسية جديدة تقطع مع « النخب » المتاجرة بالخطابات الأيديولوجية الفارغة.. أيديولوجيات كثيرا ما تم استخدامها للتغطية على كل المواقف السياسية المصيرية التي ساهمت في استمرارية منظومة الحكم وإعادة إنتاجها في كل مرة وحتى في أصعب وأخطر الظروف.
من أهم الكليشيهات الأيديولوجية التي أنقذت منظومة الحكم في الداخل وأعطت في الخارج صورة لسلطة تريد مواجهة « الأصولية المتخلفة » التي تتهدد المنطقة المغاربية وضفتي المتوسط، هي ثنائية « إسلامي أصولي متطرف ورجعي » في مواجهة « ديمقراطي علماني حداثي تقدمي »، وهي الثنائية التي نفذتها بإحكام الكثير من قيادات التيارين ممن كانوا في تسعينيات القرن الماضي يتقاسمون السكن في إقامات الدولة ويسافرون إلى كل بقاع الدنيا للدفاع عن خيار الحرب ضد المدنيين بحجج مختلفة، لكن لهدف واحد هو « المحافظة على الوضع الراهن ».
القيادات التي كانت تصنف نفسها في المعسكر الديمقراطي الحداثي العلماني، كانت موجودة في بعض الأحزاب والجمعيات ووسائل الإعلام، ومن المثقفين والجامعيبن وبعض النقابيين، وكانت كل هذه المجموعات مقربة بل وتابعة لشبكات المنظومة، وهي الشبكات نفسها التي كانت تقف وراء نقيضها ممن يسمون أنفسهم بالإسلاميين المدافعين عن ثوابت الأمة وهذا بروايتي الاعتدال والتطرف.
هذا المعسكر الحداثي المتطرف اصطف في تسعينيات القرن الماضي وراء العسكر، وعمل بشكل عضوي مع شبكات العربي بلخير وخالد نزار ومحمد تواتي ومحمد مدين، واستخدم كل وسائل التضليل والتلويث الرمزي لتبرير الاستئصال والحل الأمني كحل سياسي. 
شخص سعيد سعدي كان أحد أهم رموز هذا التيار، بالإضافة إلى خليدة مسعودي ونور الدين أيت حمودة وأسماء أخرى كثيرة، والخطاب الذي كان ينشره هذا التيار أنه لا حل إلا بمواجهة مسلحة في المجتمع من أجل استئصال التيار الإسلامي، رغم أن هذا التيار كان مصطفا – من الناحية السياسية – في نفس معسكر محفوظ نحناح وغيره من الإسلاميين الذين ساندوا ما قامت به السلطة بعد انقلاب جانفي 92.
هذا المعسكر انغمس في الأيديولوجيا الأمنية التي كانت تؤمن بالتخويف والترهيب كسياسة، وهو ما كان يظهر في خطابات أحد رموزه « يجب على الخوف أن يغير معسكره »، وهو ما حدث حيث سكن الخوف والرعب منازل غالبية الجزائريين والجزائريات، الذي قتلوا وعذبوا وسجنوا واختطفوا باسم إنقاذ الجمهورية، رغم أن كل ما كان يحدث كان واضحا بأنه « إنقاذ لمنظومة الحكم وتدمير للمجتمع، واضعاف للجيش، وتفتيت للنسيج الاجتماعي ».
هذا المعسكر دافع عن العسكرة باسم محاربة الأصولية والإرهاب، وحارب فكرة العقد السياسي، حيث قام رموز هذا التيار بشن حملة شرسة، حملة كراهية ضد كل من وقع على العقد الوطني في جانفي 95، رغم أن روح هذا العقد مبنية على فلسفة رفض العنف كوسيلة للبقاء في السلطة أو الوصول إليها، كما أن العقد ركز على بناء دولة الحق والقانون وحل سياسي للأزمة بين كل الاطراف.
رفض فكرة العقد والتمسك بالعنف والطريق الأمني لمواجهة الأزمة أنتج الدمار والقتل والاختطاف وكل الخروقات. 
السلطة استخدمت رموز هذا التيار في دبلوماسية موازية لدى مختلف الشبكات في الغرب، كما دعت السلطة عبر رموز هذا التيار، الفيلسوف الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي وصديقه اندريه غلوكسمان بعد صيف القتل الذي حدث سنة 97 والذي تم على وقع حرب العصب والعصبيات داخل صالونات ومخابر السلطة، حيث استقبل ليفي وغلوكسمان من قبل الرئيس اليمين زروال في مقر الرئاسة، كما استقبلا داخل غرفة العمليات من قبل وزير الدفاع الأسبق خالد نزار.
طروحات السلطة وذراعها السياسي في بعده العلماني، تم تسويقها من قبل ليفي وغلوكسمان في سلسلة مقالات نشرت في جريدة لوموند، في عملية تضليلية مدفوعة الأجر، من أجل القول إن العسكر يدافعون عن قيم الحداثة الغربية ضد الأصولية.
ساعد هذا التيار في مرافقة السلطة بالتحالف مع بعض شبكاتها مع مجيء بوتفليقة، فسعيد سعدي شارك في أول حكومة شكلها بوتفليقة باستوزار خليدة مسعودي وعمارة بن يونس إلى جانب وزراء اسلاميي « البازار »، مما جعل سعيد سعدي يصرح في مناسبات عديدة « صديقي بوتفليقة »، وهي الصداقة التي تأسست من الشبكات التي أسست الأرسيدي، وفرضت بوتفليقة في الحكم سنة 99، فالأصح أن سعيد سعدي هو صديق العربي بلخير ومحمد تواتي وخالد نزار الذين فرضوا بوتفليقة في الحكم، كما أن « علمانيو الدمار » تحولوا من مساندة الحرب ضد المدنيين باسم محاربة « لأصولية » إلى مساندة مصالحة بوتفليقة التي رسمت الإفلات من العقاب ضد كل مجرمي الحرب من المعسكرين، وكل ذلك أظهر أن المواقف السياسية تحددها مصالح الشبكات التي لها امتدادات سياسية واقتصادية وإعلامية، وهي الشبكات ذاتها التي تحاول اليوم أن تعطي أدوات تعطيل مسار إعادة بناء لبراديغما جديدة لتسيير الشأن العام وبناء الدولة بعيدا عن حسابات العصب والعصبيات.
الحديث عن علمانيي الدمار، على علاقة مباشرة بإسلاميي البازار، لأن هؤلاء وأولئك هم إخوة بتبني شبكات المنظومة لها، وهم إخوة في رضاعة ثدي ريع السلطة. 
الجزائر الجديدة ستولد لما تقطع نهائيا مع الاصطفاف الأيديولوجي الذي أنجب نخبة سياسية مغشوشة تحالفت مع العمق الاستراتيجي للنظام من أجل تدمير الدولة والأمة للمحافظة على استمرارية منظومة الحكم، في ذلك اليوم ستولد الممارسة السياسية التي تبني الدولة التي تضع الأخلاقيات السياسية في قلب الفضاء العمومي.

تصوير رضوان بوجمعة
تصوير رضوان بوجمعة

2- الجزائر الجديدة 64. إسلاميو « البازار »!

ستنجح الجزائر الجديدة في بناء المجتمع المفتوح، عندما تقطع نهائيا مع القيادات الإسلامية المتاجرة بالدين الإسلامي، والتي تعتقد في تركيبتها الذهنية أنها ظل الله في الارض، وبأنه يحق لها الحديث باسم الإسلام في استراتيجية توزيع « شهادات الإيمان » على البعض ونوعها على البعض الآخر، ونسيت أن الدعوة إلى دين الله عنوانها الحكمة والموعظة الحسنة، وأن فعل الدعوة لا علاقة له بفعل القضاء، فالدعاة ليسوا قضاة..
إنتقال عمل الجماعات الإسلامية من مرحلة الدعوة إلى الله إلى مرحلة الدعوة إلى صناديق الانتخابات، ومن ابتغاء وجه الله إلى نيل مرضاة السلطة وشبكاتها، ما جعل الكثير منها ينطبق عليها قوله تعالى « اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ » (9) سورة التوبة.
تسعينيات القرن الماضي كانت مأساوية بكل المقاييس والكثير من القيادات الإسلامية بمختلف توجهاتها تلطخت أيديها، كما تلطخت أيدي قيادات التيار العلماني بدماء الجزائريين والجزائريات، كما أن بعض رموزها غرقت في الفساد، بينما ذهبت قيادات أخرى مخلصة ضحية القمع والقتل والسجن والاعتقال والفصل من العمل والحرمان من الحقوق المدنية والسياسية، مع عشرات الآلاف من المناضلين والجزائريين والجزائريات في مختلف الجهات والأحياء والقرى والمداشر. 
هذه القيادات الإسلامية كان بعضها موجودا في جبهة الانقاذ، واستخدموا في مخططات استخباراتية للشرطة السياسية، فالكثير من هؤلاء كانوا الأكثر تطرفا على مستوى الخطاب واستخدموا بعدها في عمليات منظمة لتفجير جبهة الانقاذ من الداخل، قبل أن يتم استخدامهم في مخططات أخرى تدخل في إطار ديمومة استمرار المنظومة.
أسماء هؤلاء من الهاشمي سحنون إلى بشير فقيه إلى أحمد مراني وعثمان عيساني وبن عزوز زبدة.. وغيرهم الكثير، هؤلاء تمت مكافأتهم، بعضهم أصبح وزيرا و هو لا يملك إلا شهادة الميلاد، والبعض الآخر دخل عالم المال والأعمال بملايير ممليرة، وهو حال مثلا بن عزوز زبدة الذي كان من أوائل المستوردين من تركيا وغيرها الكثير من البلدان، وهو الذي كانت له علاقات كبيرة مع عدة شبكات داخل المنظومة وعلاقة خاصة مع الرئيس الأسبق الراحل أحمد بن بلة، بالإضافة إلى حالات أخرى لا يتسع لا المقال ولا المقام لذكرها.
تيار ثاني من القيادات الإسلامية كان قد اختار – وبشكل مباشر- الاصطفاف وراء شبكات منظومة الحكم، وهي القيادات التي لم تحصل حتى على أي مقعد في الانتخابات التي ألغيت في جانفي 92، وهي التي صفقت لاستراتيجية انقلاب جانفي 92، ودخل بعضها في المجلس الانتقالي وهو حال مثلا عبد المجيد مناصرة وعبد القادر بن قرينة، قبل أن يستوزروا ويكتشفوا عالم المال والأعمال ويساهموا في تدعيم تيار « إسلاميو البازار »، وهؤلاء أبشع ما فعلوه أنهم قرروا مساندة أو السكوت عن استخدام العنف والقمع ضد إخوانهم الإسلاميين مقابل سحت الدنيا من مقاعد البرلمان والمجلس الانتقالي ومال فساد الاستوزار وريع السلطان.
وباسم المشاركة عوض المغالبة، استمر الكثير من هؤلاء، واغتنى الكثير منهم غنى فاحشا، في استراتيجيات تجارية واضحة بعضهم اغتنى بأموال الاستيراد، والبعض الآخر بأموال شركات المناولة في إطار الطريق السريع شرق غرب، والبعض الآخر دخل مجال المضاربة العقارية، وبعضهم غرق في ملايير ريع طباعة الكتاب وربوع اخرى كثيرة.
هذه القيادات كان لها الدور في تأجيج الصراعات الأيديولوجية الفارغة في كل مرة كانت فيها السلطة بحاجة لإعطاء صورة عن وجود واجهة ديقراطية، حيث يتم فتح ملفات فارغة تستخدم في استرتيجات الإلهاء، مثل صناعة نقاشات فارغة ومشوهة حول إشكاليات اللغة والهوية الدين والصلاة في المدارس وأضحية العيد… وغيرها من المواضيع التي تعطي لهم وللعلمانيين المرتبطين بشبكات وعصب السلطة لاحتلال الفضاء الإعلامي بعمليات تسميم وتضليل وتلويث رمزي. 
إسلاميو البازار كثيرون في القيادات، ولا علاقة لمعاشهم وحياتهم بقواعدهم في القرى والمداشر، وقوتهم أنهم يستخدمون الانضباط الحزبي وعلاقة المشيخة لتنويم عميق للقواعد حتى لا ترى إلا ما يرى الشيخ، وقد استمر هذا الوضع لسنوات وسنوات، ولازال ساريا مع بعض القواعد التي لم تكتشف حقيقة الكثير منهم، وفي هذا المجال لابد من الإشارة إلى أن اسلاميو البازار هم الذين يقومون بأبشع الحملات من أجل أدلجة الثورة وتحويلها عن مسارها وزرع النقاشات الفارغة مع ما تبقى من أصدقائهم وجيرانهم في إقامة الدولة من علمانيي الأجهزة، وقد بدأت تتجلى خيوط هذا المخطط من تمثيل رئيس المجلس الشعبي الوطني سليمان شنين الذي عين في البرلمان من قائمة العاصمة التي ترأسها حسن عريبي المعروف بعلاقات مع الجنرال توفيق، وهي قائمة تحالفت فيها جبهة عبد الله جاب الله وحركة النهضة وحزب عبد القادر بن قرينة الذي ينتمي إليه شنين، بالإضافة إلى تصريحات عبد الرزاق مقري الذي قال إن المؤسسة العسكرية في التسعينيات كانت مختطفة، رغم أن الكل يعرف أن حركة مقري كانت متحالفة مع قيادات المؤسسة العسكرية آنذاك من محمد مدين إلى خالد نزار والعربي بلخير.. وغيرهم. 
الجزائر الجديدة ستولد لما تقطع نهائيا مع الاصطفاف الأيديولوجي الذي أنجب قيادات إسلامية تتاجر بالدين، وتقتل باسم الدين، وتعبد شبكات التوفيق واسماعيل العماري والعسكر قبل أن تفكر في عبادة الله.. نخبة سياسية مغشوشة تحالفت مع العمق الاستراتيجي للنظام من أجل تدمير الدولة والأمة للمحافظة على استمرارية منظومة الحكم.. في ذلك اليوم ستولد الممارسة السياسية التي تبني الدولة التي تضع الأخلاقيات السياسية في قلب الفضاء العمومي، وتؤسس للمجتمع المفتوح الذي يجعل الأمة الجزائرية في كل تنوعها تناقش مستقبلها دون شقاق ولا نفاق.

الجزائر في 27 و 28 جويلية 2019

تحرير وتصوير رضوان بوجمعة

Article précédent

هكذا يقضي الرئيس «المخلوع» بوتفليقة أيامه

Article suivant

إطلاق سراح السجينين الذين حملا الراية الأمازيغية في الشلف.

Latest from Blog

منظمة حقوقية تدين سجن ناشطة في الجزائر بتهمة الإرهاب بسبب أغنية

أعربت منظمة « شعاع » لحقوق الإنسان عن استيائها لإقدام السلطات الأمنية في الجزائر على اعتقال الناشطة الجزائرية جميلة بن طويس وما تعرضت له من تهم رأت المنظمة أنها « كيدية » من قبل السلطات على خلفية ممارستها لحقها في

« اليمين التكنلوجي »…كيف أصبح « وادي السيليكون » متطرفًا

« اليمين التكنلوجي »…كيف أصبح « وادي السيليكون » متطرفًا .تحليل موقع « ميديا بارت » الاستقصائي الفرنسي عبر صفحة الكاتب والصحافي خالد حسن: مدير تحرير صحيفة الأمة الإلكترونية إيلون موسك وبيتر ثيل، على رأسهم، يجمع اليمين التكنولوجي

BENHALIMA M. AZZOUZ, TORTURÉ EN DÉTENTION

ANCIEN OFFICIER MILITAIRE ALGÉRIEN, BENHALIMA M. AZZOUZ, TORTURÉ EN DÉTENTION, ALKARAMA APPEL URGENT AU RAPPORTEUR SPÉCIAL DE L’ONU SUR LA TORTURE Source : https://www.alkarama.org/en/articles/former-algerian-military-officer-benhalima-m-azzouz-tortured-detention-alkarama-urgently Le 12 mars 2024, Alkarama s’est adressée en
Aller àTop

Don't Miss

الجزائر الجديدة. طريق التوافق ومأزق « التواطؤ »

الجزائر الجديدة 149 – تحرير وتصوير رضوان بوجمعة طريق التوافق

الجزائر: ماذا بعد شهر من رئاسة عبد المجيد تبون؟

رضوان بوجمعة. 2020-01-13. assafirarabi.com كاتب صحافي وأكاديمي من الجزائر حراكُ