mai 23, 2019
7 mins read

يارب .. مناجاة – بقلم: د. سلمان العودة

ربّ إني لِمَا أنزلْتَ إليَّ مِنْ خيرٍ فقيرٌ.. منطرحاً أمام بابك الكبير.. أصرُخُ في الظلام أستجير: ياراعي النِّمالِ في الرِّمالِ، وسامِعَ الحصاةِ في قرارةِ الغدير.

صرختي الأولى كانت إليك، وندائي الأولُ، ونَغْنَغَتي ومُناجاتي.. وجودي.. بشريَّتي.. ضعفي.. خوفي.. حُزني.. فرحي.. كلُّها تقودني إليك.

ذاتَ مساءٍ كنْتُ بينَ خيَّان الأَثْل في حاجةِ أمي.. كانَ الظلامُ بيني وبينكَ، كانت السماءُ أبعدَ في نظري، والخوفُ أقربَ في قلبي، والطريق إلى النور طويل..

وعندما وصلْتُ مسحَتْ أُمي على رأسي و قالت: يا ولدي.. الطريقُ إليه آمن.. انتبه أن تتوقّف.
ثم أشارت إلى الأعلى.. ومُنذُ ذلكَ الوقْتِ وأنا أحاوِلُ الصُّعودَ إليكَ، وكلَّما اقتربْتُ منكَ وجدْتُكَ أقربَ إلى قلبي وأبعد من خيالي!!

كانوا يعقدون التّسبيحَ بِأصابِعِهم: (سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر..) وأنا طفلٌ صغيرٌ إلى جوار والدي، بدأت أعد 1، 2، 3، 4 حتى المِئة.. ابتسم لي والدي و أخبَرَني بالمعنى.. مِنْ يومِها أدركْتُ أنَّ الطَّريقَ إلى اللهِ أعظمُ من تلك الأرقام!!

يارب.. يأتي اسمُك مُجَلْجِلَاً على لسانِ أحدِهم فأخاف، وَضَعَ الحواجزَ دونَك والسُّدودَ والحُفَرَ، وعندما أَفَقْتُ من تلك الوَحشة؛ أتاني نداؤُك الأجملُ: يا عبدي.. وأجبْتُكَ: يارب..

أحببْتُكَ قبْلَ أن أخافَكَ.. وكلَّما سمعْتُ اسمَكَ صِرْتُ به أكثرَ ثَراءً.

يأتي اليقينُ بعدَ الشَّكِّ.. يأتي مُنثَالاً بجمال ما أودعْتَهُ وأبدعْتَهُ في أعماقِ المُحيطات وأجوازِ الفَضاء.

في ألمِ الأمهات.. وعجْزِ الأسئلة.. ومرارةِ الفَقْد؛ يأتي التَّضرُّعُ باسمك.

في وَهَنِ الجسدِ.. وضياعِ الرُّوح.. وقسوةِ الخسارة؛ يأتي التَّبتُّلُ إليك.

يارب.. كنْتَ معي في ظُلمةِ الرَّحِمِ.. في طفولتي وأحلامي.. في تفاصيلي الصغيرة.

كنْتَ معي في الإخفاقِ والنّجاح.. في مُواجهة الحياة.. في الانطلاق والنّهاية.. أمامَ ألسِنَةٍ جارِحةٍ وخلفَ مخالِبِ الظلام.

يارب.. وأنتَ الجميلُ الذي خلقْتَني جميلاً، وأردْتَ لي أن أكونَ كما خلقْتَني؛ أبقِني على فطرتكَ بعيداً عن تشويه ذاتي.

يارب.. وكُلُّ نَفَسٍ يُقرِّبُني إليك.. وكل صباحٍ أستفتِحُ فيه بذكرك؛ امنحني القُوَّةَ أنْ لا تتعثَّرَ خُطايَ في مسيري إليكَ.

يارب.. أعطِني حُرِّيَّةً بقدْرِ عُبوديَّتي لكَ، ويقيناً بقدر أَمَلي فيك، واجعلْ ما بيني وبينَكَ مسافةَ حُبٍّ وقرِّبْها.

يارب.. مَنحْتَني عينَيْنِ ولساناً وشفتين.. اهدِني أنْ لا تنْشغِلَ هذه الجوارحُ بغيرِكَ عنكَ.

يارب.. وأنْتَ الكبيرُ في عليائِكَ وأنا الهَباءةُ في كونِكَ؛ فَكُنْ أنتَ الصَّاحب في سَفرِ الحياة.
———-

(*) عن موقع الشيخ #سلمان_العودة
#لا_لإعدام_العلماء

Laisser un commentaire

Your email address will not be published.

Article précédent

ميثاق الشرف الأخلاقي أوالضوابط الأخلاقية بين العاملين من أجل التغيير

Article suivant

بث مباشر… الحراك الشعبي مستمر للجمعة 14

Latest from Blog

« اليمين التكنلوجي »…كيف أصبح « وادي السيليكون » متطرفًا

« اليمين التكنلوجي »…كيف أصبح « وادي السيليكون » متطرفًا .تحليل موقع « ميديا بارت » الاستقصائي الفرنسي عبر صفحة الكاتب والصحافي خالد حسن: مدير تحرير صحيفة الأمة الإلكترونية إيلون موسك وبيتر ثيل، على رأسهم، يجمع اليمين التكنولوجي

BENHALIMA M. AZZOUZ, TORTURÉ EN DÉTENTION

ANCIEN OFFICIER MILITAIRE ALGÉRIEN, BENHALIMA M. AZZOUZ, TORTURÉ EN DÉTENTION, ALKARAMA APPEL URGENT AU RAPPORTEUR SPÉCIAL DE L’ONU SUR LA TORTURE Source : https://www.alkarama.org/en/articles/former-algerian-military-officer-benhalima-m-azzouz-tortured-detention-alkarama-urgently Le 12 mars 2024, Alkarama s’est adressée en
Aller àTop