الجزائر الجديدة 133. معركة الحرية
تواصل الأمة الجزائرية مسيرتها نحو الانعتاق والتحرر من منظومة الفساد والاستبداد، في مختلف المدن والولايات، بغية بناء الجزائر الجديدة والدولة الحديثة التي تقطع نهائيا مع منظومة العصب والعصبيات والشبكات.
الجمعة 39 زاد زخمها وجاءت مصرة في سلميتها وجميلة في تعددها وعظيمة في أعداد متظاهريها وواضحة في شعاراتها ومطالبها، و لم يمنع المتظاهرين لا برودة الطقس و لا حبات البرد و لا الأمطار من خروج الملايين و في كل الولايات، و كان شعار الحرية مرفوعا في كل مكان.
احنا و لاد عميروش طالبين الحرية، شعار رددته حناجر الملايين في عديد الولايات ، وهو شعار يربط بين الوفاء للشهداء و مطلب الحرية.
هذه الجمعة جددت رفضها لاقتراع ترشح له كل من كان لهم دورا في فرض بوتفليقة في الحكم سنة 1999، ممن صنعتهم الأجهزة والشبكات وادخلتهم الفضاء السياسي لتشويهه وتلغيمه من أجل استئصال السياسة من المجتمع.
الجمعة 39 ردت بقوة على تجار 12 ديسمبر من المنتفعين والانتهازيين الذين يختصرون الوطن في الاستفادة من المناصب والمكاسب في منظومة ريعية فاسدة انتهت تاريخيا، وأصبح استمرارها يهدد الدولة ككيان وكوجود قانوني وسياسي.
الجمعة 39 تسابق فيها الأحرار والحرائر في مختلف الولايات لمحو آثار صور عشرات المنتفعين الذين يصورهم الإعلام الحكومي والقنوات التلفزيونية الخاصة التي اغتنت من فساد الأوليغارشيا وحماية الإدارة الأمنية التي تسير الإعلام، والذين كانوا في الصفوف الأولى لدعم خامسة بوتفليقة.
الأخبار الواردة والصورة المتدفقة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، توضح أن سكان مختلف الولايات يتبرؤون من صور ما يسمى المسيرات العفوية التي تنادي بتأييد اقتراع هزيل ومرفوض، وتشوه صورة الجيش، بل تحاول أن تشخصنه وتربط اقتراع مرفوض على أنه شكل من أشكال دعم الجيش، فما هي العلاقة بين الانتخابات والجيش يا ترى؟! لا يمكن أن يجيب عن هذا السؤال إلا من احترف إعلام الدعاية و »موظفو » السياسة والمتشدقون بالوطنية ودكاترة التضليل والتموقع.
الجمعة 39 كذلك عرفت بعض مؤشرات صحوة بعض الصحفيين والصحفيات، الذين أرادوا بطريقتهم الخروج من أجندة الدعاية البدائية التي تمارسها المنظومة الإعلامية الغارقة في الفساد والتي عرتها ثورة 22 فيفري، والتي لا يمكن أن تبني الجزائر أي انتقال سياسي دون تغييرها تغييرا جذريا ومتابعة كل من نهب المال العام للاغتناء بممارسة الدعاية والتضليل الإعلامي والكذب، ومطالبة كل المدراء بتسديد ديون المطابع ومعرفة دقيقة فيما صرفت فيه ملايير الدينارات من مال الاشهار والدعم العمومي المباشر وغير المباشر للصحافة.
جمعة اليوم أبانت أن خيار السلطة المرور بالقوة لفرض الاقتراع سيكون مكلفا لها أكثر من غيرها، لأن فرض رئيس في اقتراع مرفوض شعبيا، هو إنتاج لموظف في الرئاسة برتبة رئيس، سيكون ضعيفا إما من فرضه، غير معترف به شعبيا، ويضعف مصالح الجزائر خارجيا، لذلك فإنه سيكون في مواجهة الملايين في المسيرة 43 الموافقة ليوم 13 ديسمبر.
جمعة اليوم أظهرت أن أكبر المهددين لمصالح الدولة والأمة يتموقعون في صفوف من يعمل على فرض طريق الانسداد وهو طريق 12 ديسمبر، وأن من يسمون أنفسهم بمؤيدي هذا الموعد ليسوا إلا « تجار »، فهؤلاء والكثير منهم هم من تاجروا بدماء الجزائريين والجزائريات في التسعينيات بتنظيمهم مسيرات أسموها عفوية، شتمت وخونت قادة المعارضة، ممن صنعوا نوفمبر 54 وفرضت اقتراع نوفمبر 95 الذي زاد في تعقيد الأزمة، بدليل أن هذا الاقتراع هو الذي أشعل حرب العصب في السلطة وفرض بوتفليقة فيها في أفريل 99.
الجزائر الشعبية، اليوم، موحدة ومتحولة مشروعها « الحرية » لإنقاذ الجزائر ككيان في مواجهة سلطة مغامرة فاسدة فاقدة للشرعية والمشروعية، وهي مدعمة من تجار ديسمبر، تجار من بقايا أحزاب الأفلان والأرندي وجمعيات المنتفعين الذين ساندوا كل ما طرحته السلطة منذ أكثر من 30 سنة، وهؤلاء يتاجرون بكل شيء لأنهم في الرداءة يغرقون وفي الفساد يسبحون وللشعب كارهون.
ستنتصر جزائر الشعب كما انتصرت في نوفمبر 54، ستنتصر في سلميتها وفي تنوعها وفي تعددها بمشروع واحد هو مشروع المجتمع المفتوح مشروع الحرية الذي لا يفهم عمقه إلا حرائر وأحرار نوفمبر، ويوم ذاك سيكتشف تجار ديسمبر الذين احترفوا التزلف وزرعوا التخلف وعاشوا في الريع والفساد، إنهم من الماضي، من ماضي الكراهية والتشدق بالوطنية ومناصرة الدكتاتورية، لأن المستقبل بدأ وتجسيده مؤكد عنوانه « الوطنية الصادقة »، والوطنية هي الحرية والديمقراطية.
الجزائر في 15 ديسمبر 2019
تحرير وتصوير رضوان بوجمعة