septembre 24, 2019
12 mins read

الدعاية من « المأساة الوطنية » إلى « العصابة »

الجزائر الجديدة 111
الدعاية من « المأساة الوطنية » إلى « العصابة »

 رضوان بوجمعة 23/09/2019

تسير الأمة الجزائرية خطوة خطوة نحو التحرر من « التلويث الرمزي » الذي فرضته السلطة ولازالت، وتقوم منظومة الدعاية الإعلامية بتضخيمه من خلال الاستعانة بدكاترة « البلاطوهات » الذين يغيرون وجهة الخطاب بتغير مسار وهوية الشبكات التي تسيطر على المشهد السياسي والإداري والأمني في دواليب الحكم.

وفي هذا التلويث، فقدت الكثير من المفاهيم معانيها، حيث كثيرا ما يتم استخدام هذه الكلمات بغية ممارسة التضليل والالهاء والدعاية ونشر الكراهية، لتفادي أي نقاش فعلي حول تسيير الشؤون العامة للبلد.

ففي بداية عهد بوتفليقة سنة 99، الذي فرض في قصر المرادية من قبل بلخير وتوفيق وتواتي ونزار، وبمساعدة الأذرع الحزبية والإعلامية ومختلف أجهزة تلك الشبكات، أطلق بوتفليقة كلمة « المأساة الوطنية »، وهي الكلمة التي كان الهدف منها طي صفحة التسعينيات العنيفة دون قراءتها وتحديد مسؤوليات المجازر والقتل والاعتقال والاختطاف، ودون الذهاب إلى أي تقييم موضوعي للسياسات التي أوصلت الجزائر إلى ممارسة العنف ضد المدنيين بمقتل أكثر من 200 ألف شخص وأكثر من 12 ألف مختطف وملايين المهجرين وآلاف المعتقلين والمعذبين.

كانت عبارة « المأساة الوطنية » تهدف إلى القول ضمنيا إن الأزمة السياسية التي اندلعت نتيجة إلغاء المسار الديمقراطي في جانفي 92، ليست إلا « مأساة » نزلت من السماء، أو أنها كانت قدرا محتوما تحمله الشعب وواجهته السلطة، وبأن الحكمة تقتضي طي الصفحة دون التفكير فيها، وهو ما كان يشرحه بوتفليقة في تجمعاته بمسلسل كان يردده في كل شبر من الجزائر « ألي فات مات ».

مسلسل « ألي فات مات »، هو الصناعة الدرامية لكلمة « المأساة الوطنية' »، فالحرب ضد المدنيين لم تكن وفق ذلك المنطق إطلاقا، بل كان نتيجة نزاع صنع بقرارات سياسية فرضها نزار وبلخير وتوفيق وتواتي… وغيرهم، وشجع عليها سعيد سعدي وخليدة تومي وليلى عسلاوي وسعيدة بن حبيلس… وما سمي بلجنة إنقاذ الجزائر، كما وافق عليها محفوظ نحناح ونورالدين بوكروح بدعاية منظومة إعلامية اغتنت من ملايير الإشهار العمومي.

كلمة « المأساة » الوطنية أنتجت لتطبيق سياسة الهروب إلى الأمام، ولذلك ضمنت السلطة الإفلات من العقاب لكل المجرمين، فتحول كل ضحايا العنف إلى « ضحايا المأساة الوطنية »، كما تحولت كل الشبكات التي صفقت لسياسات نزار وزروال وغيرهما إلى مطبلين ومهللين لسياسة « الوئام المدني » لبوتفليقة في تجاوز ما أسماه بالمأساة الوطنية.

منذ الفاتح من أفريل الماضي، ومع إقالة بوتفليقة، إستخدم قائد الأركان كلمة « العصابة »، للحديث عن آل بوتفليقة وتوفيق مدين وطرطاق وخالد نزار وغيرهم، وتحول دكاترة « البلاطوهات » والأذرع الإعلامية والسياسية التي كانت تصفق لبوتفليقة ولطرطاق إلى « ماكنات » تمارس علم الشتم والتخوين لسب « العصابة »، بل وأصبحت تستخدم هذه الكلمة لتغذي كليشيهات إيديولوجية فارغة، بل وذهبت هذه الأذرع ودون حياء للتخفي وراء كلمة « العصابة » لتوهم الجزائريين والجزائريات أن « العصابة » لها أذناب موجودة في مناطق محددة وتتكلم لغة معينة، وهي التي تعمل على إطالة عمر الأزمة حسبهم، وهو انحراف أصبحت أهدافه واضحة اليوم، وهو أن مستخدمي هذه الكلمة هم ممن خدموا « العصابة » بالأمس ويعملون على تعويم وتمييع النقاش، وتلويث الجو بغرض فرض أجندة السلطة بالقوة وبالتضليل والكذب والتشويه.

فأكبر مشكل يواجه أصحاب خطاب « العصابة » وإذنابها من أجل الالتفاف على الثورة، أنهم كلهم كانوا من المصفقين لبوتفليقة رجل الاجماع ومنذ سنة 99، فمنهم من كان مديرا لحملته، ومنهم من كان رئيسا لبرلمانه الأول، ومنهم من كان يدعو له في الصلوات ليسدد خطاه في تدمير البلد، ومنهم من كان من مؤسسي التحالف الرئاسي، وهم كذلك الذين صادقوا في البرلمان على فتح العهدات، وهم كذلك الذين صفقوا لخطاب « المأساة الوطنية »، وأغنية « الي فات مات »، بينهم من كان في الوقت نفسه من دعاة « الاستمرارية » إلى غاية السادس مارس 2019، وبأن لا بديل عن بوتفليقة حتى وهو ميت أو يشارف على الموت، وهم اليوم الذين يتحدثون عن بوتفليقة وحكمه بلغة « العصابة » وأذنابها، ولذلك تحول هؤلاء إلى أكبر أعداء لقائد الأركان ويشكلون خطرا على جيش وعلى صورته، بل وأصبح وجود هؤلاء وبهذا الخطاب أكبر خطر على الأمن القومي.

الأمة الجزائرية ومنذ 22 فيفري الماضي وهي تسعى لبناء الجزائر الجديدة، التي تعمل على دفن هذه الوجوه المنتجة للعنف وللعقم وللشؤم والتي احترفت الكذب والتلويث الرمزي، من أجل إنتاج نخب سياسية تبني خطابات سياسية متسقة تؤسس لثقافة الدولة، وليس إلى تلويث رمزي ينتج قطيعا سياسيا ينشر التضليل والكراهية والجهوية، قطيع سياسي يعمل على غرس دين الكراهية وكراهية الدين.

الجزائر في 23 سبتمبر 2019
تصوير وتحرير رضوان بوجمعة

Article précédent

S. Bouteflika, Toufik, Tartag, L. Hanoune : Un procès et des zones d’ombre

Article suivant

ميثاق السيادة ضد السلطة كغنيمة حرب. الهواري عدي

Latest from Blog

منظمة حقوقية تدين سجن ناشطة في الجزائر بتهمة الإرهاب بسبب أغنية

أعربت منظمة « شعاع » لحقوق الإنسان عن استيائها لإقدام السلطات الأمنية في الجزائر على اعتقال الناشطة الجزائرية جميلة بن طويس وما تعرضت له من تهم رأت المنظمة أنها « كيدية » من قبل السلطات على خلفية ممارستها لحقها في

« اليمين التكنلوجي »…كيف أصبح « وادي السيليكون » متطرفًا

« اليمين التكنلوجي »…كيف أصبح « وادي السيليكون » متطرفًا .تحليل موقع « ميديا بارت » الاستقصائي الفرنسي عبر صفحة الكاتب والصحافي خالد حسن: مدير تحرير صحيفة الأمة الإلكترونية إيلون موسك وبيتر ثيل، على رأسهم، يجمع اليمين التكنولوجي

BENHALIMA M. AZZOUZ, TORTURÉ EN DÉTENTION

ANCIEN OFFICIER MILITAIRE ALGÉRIEN, BENHALIMA M. AZZOUZ, TORTURÉ EN DÉTENTION, ALKARAMA APPEL URGENT AU RAPPORTEUR SPÉCIAL DE L’ONU SUR LA TORTURE Source : https://www.alkarama.org/en/articles/former-algerian-military-officer-benhalima-m-azzouz-tortured-detention-alkarama-urgently Le 12 mars 2024, Alkarama s’est adressée en
Aller àTop

Don't Miss

الجزائر الجديدة. طريق التوافق ومأزق « التواطؤ »

الجزائر الجديدة 149 – تحرير وتصوير رضوان بوجمعة طريق التوافق

الجزائر: ماذا بعد شهر من رئاسة عبد المجيد تبون؟

رضوان بوجمعة. 2020-01-13. assafirarabi.com كاتب صحافي وأكاديمي من الجزائر حراكُ