ميثاق السيادة ضد السلطة كغنيمة حرب.
الهواري عدي. تعليق على مقال جمال زناتي.
يحدد نص جمال زناتي الذي نشر يوم الخميس 19 سبتمبر على صفحات يومية الوطن الناطقة بالفرنسية، الرهانات الحقيقية لثورة 22 فيفري، ويرسم آفاق الخروج من الأزمة.
في البداية، هو يبين كيف أنها ثورة وليست مجرد أحداث شغب عابرة؛ إنها ثورة غايتها تغيير نظام الحكم. ويوضح أن المجتمع قد تقدم وأن نظام الحكم الحالي صار خانقا لإمكانات المجتمع ومعيقا للدولة. يؤكد جمال زناتي بشكل خاص على السمات المؤسسة لنظام الحكم الجزائري الذي ورث بنيته من الحركة الوطنية. في الواقع، لقد أجبر الطابع الراديكالي للهيمنة الاستعمارية الحزب المطالب بالاستقلال على تشكيل هيكل سري يمارس العنف المسلح. وعلى هذا نجد أنه في PPA-MTLD، كان الحزب الفعلي مجسدا في حزب الشعب (PPA) الذي يعمل في السر، أما الحزب الشكلي فكانت تمثله حركة انتصار الحريات الديمقراطية (MTLD) المرخص لها قانونيا. لقد حاول مؤتمر الصومام وضع حد لهذه الثنائية عبر ترسيم مبدأ أولوية المدني على العسكري، إلا أنه فشل. ونتيجة لذلك أصبحت قيادة الأركان لجيش التحرير الوطني هي السلطة الفعلية، والحكومة المؤقتة هي السلطة الشكلية، التي تم الانقلاب عليها في جوان 1962، أياما قليلة قبل الاستقلال.
استمرت هذه الثنائية مع بن بلة/بومدين لتنتهي مع الانقلاب الذي حصل في 19 جوان 1965. لقد انتهت مع العقيد بومدين الذي كان منذ 1965 وحتى وفاته: رئيسا للدولة، رئيسا لمجلس الثورة، رئيسا للحكومة، وزيرا للدفاع وقائدا عاما لأركان الجيش (منذ 1967، أي بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة للطاهر زبيري). كان بومدين يحوز -في نفس الوقت- على السلطة الفعلية وعلى السلطة الشكلية. وبوفاته عادت الثنائية مرة أخرى مع الشاذلي بن جديد الذي أجبرته السلطة الفعلية على الاستقالة في جانفي 1992. بعدها، جيء ببوضياف الذي اغتيل بعد 5 أشهر، عقابا له على محاولته ممارسة السلطة الفعلية. في 1998، رفضت القيادة العسكرية (السلطة الفعلية) أن يتفاوض الرئيس اليامين زروال (السلطة الشكلية) مع الجناح السياسي للفيس على إنهاء الأزمة، ولخوفه أن يعرف نفس مصير بوضياف فضّل زروال الاستقالة، وبذلك يكون قد فتح الباب لعصر بوتفليقة. عكس ما كانت تروجه دعاية الدياراس، لم يكن لبوتفليقة أي سلطة، خلاف سلطة نشر الفساد وإعاقة تنمية البلد.
إن هذه الثنائية، سلطة فعلية/سلطة شكلية، تعتبر قاتلة للبلد. ما تريده ثورة 22 فيفري هو وضع حد نهائي لهذا الوضع، لتكون مؤسسات الدولة هي الإطار الحقيقي للسلطة الشرعية التي حددها الدستور. إلا أن قيادة الأركان تصر على رفض هذا التحول، وتقف في وجه الانتقال نحو نظام حكم جديد تكون سلطة الدولة فيه موحدة ومنسجمة. لهذا نجد قيادة الأركان تسعى إلى انتخاب رئيس شكلي جديد.
لماذا يصر قايد صالح والصقور من الجنرالات الذين يدعمونه على رفض عملية الانتقال هذه، والتي يتم خلالها التنازل عن السلطة الفعلية لجهة مدنية مؤقتة في انتظار تنظيم انتخابات نزيهة؟ أفترض أنّ السلطة بالنسبة لقايد صالح والجنرالات الذين يساندونه، هي مجرد غنيمة حرب انتزعوها من فرنسا الاستعمارية. السلطة بالنسبة لقايد صالح، ليست تعبيرا اداريا للسلطة العمومية التي تعود للشعب السيد، بل هي غنيمة حرب وهو مستعد لإعلان الحرب من أجل الاحتفاظ بها. لكن، هل ميزان القوة الذي يتيح له محاربة الشعب هو لصالحه الآن؟ فرضيتي على هذا السؤال هي: لا.