الجزائر الجديدة 99
« العدو » و »الخصم ».. ثقافة الإهانة والانتقام
ستؤسس الجزائر الجديدة لمنظومة سياسية وثقافية تقطع – وللأبد – مع منظومة الانتقام والاستعداء التي أسست لمنظومة الحكم منذ فجر الاستقلال على قاعدة غرس الإقصاء والعنف والتهميش ورفض الآخر.. منظومة لا تعترف بالخصم السياسي لأنها قائمة على رفض الحوار والتشاور ولا تعرف ثقافة الإنصات، هي منظومة ترى في الاختلاف استعداء وفي الحوار انكسار وفي الإنصات انهيار!
لذلك حولت كل الخصوم السياسيين ومنذ 62 إلى أعداء، وجب تخوينهم وسجنهم واختطافهم وتعذيبهم وتهجيرهم بل وحتى إعدامهم… وتحولت -المنظوم- من قمع الخصوم السياسيين إلى إهانة الحلفاء والأتباع، بل إلى آلة كاسحة مستعدة لتدمير كل شيء أمامها لضمان تجديد نفسها وضمان بقائها.
نهاية ثمانينيات القرن الماضي ومع أحداث أكتوبر 88 أعطت منظومة الحكم مؤشرات واضحة أنها أصبحت غير قادرة على تسيير الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بالآليات القديمة، ولذلك أرغمت المنظومة على الانتقال من الأحادية الحزبية والإعلامية إلى التعددية، ثم مع مرور الوقت تحولت هذه التعددية إلى عددية، وتحولت الواجهات الحزبية إلى واجهات لمختلف عصب وشبكات المنظومة، هي والواجهات الإعلامية.
في تسعينيات القرن الماضي انتقلت منظومة الحكم من الإقصاء وممارسة العنف، إلى ما يشبه الإبادة الانتخابية ضد المدنيين، حيث تم تنظيم ما يشبه العقاب الجماعي ضد جيل أكتوبر 88، كما أصبحت صراعات شبكات منظومة الحكم تنتج الكثير من العنف في الخطاب ضد النخب السياسية التي رفضت سياسة الاستئصال والكل الأمني، فتم اتهام هذه النخب بالخيانة والعمالة للخارج في استراتيجيات التضليل بفضل منظومة الدعاية التي أغرقت في الريع والفساد.
كما أن منظومة الحكم أنتجت العديد من أشكال الإهانة والإهانة المتبادلة فيما بين أفرادها في حملات كراهية، فشبكة بتشين واليمين زروال تمت إهانتها إعلاميا من قبل شبكات التوفيق وبلخير، ليخرج زروال من الحكم ويُفرض بوتفليقة، الذي نجح في العشرين سنة الماضية في تحويل صراع العصب والشبكات إلى مختلف الأجهزة وإلى تحويل هذا الصراع إلى الساحة العمومية، وقد تم تقسيم الساحة السياسية بين الوطنيين الذين يدعمون بوتفليقة وغير الوطنيين الذين ينتقدونه، وبين أنصار الاستقرار وأعداء الاستقرار.
الثورة السلمية ومنذ سبعة أشهر دمرت ثقافة العدو، وزعزعت المنظومة إلى درجة فشلها في تضليل الناس بصناعة أعداء وهميين في المجتمع، فتم إحباط كل عمليات التضليل المختلفة، لتنتقل الحرب إلى دواليب السلطة، التي انتقلت إلى الإهانة والانتقام في عمليات كسر العظام من أجل ضمان استمرارية المنظومة، ووصل الأمر إلى حد وصف الرئاسة ومديرية الاستخبارات والأوليغارشيا بالعصابة، وهو وصف كافٍ للحديث عن غياب الحد الأدنى من ثقافة الدولة وأخلاقيات السياسة وانعدام ثقافة المؤسسات، ومعها بدأت اعتقالات واسعة تمت ببث صور عبر الواجهات التلفزيوينة، وهي صور تحمل الكثير من الإهانة لمختلف الوجوه الأمنية والسياسية والاقتصادية لمنظومة الحكم، فقد نقلت عصب السلطة بهذه التصرفات الحرب من مرحلة الإهانة إلى مرحلة الانتقام.
كل ما يحدث يؤكد أن هذه المنظومة انتهت تاريخيا، وأصبحت اليوم بعدما أنتجت ثقافة العدو السياسي عوض الاعتراف بالاختلاف والاعتراف بالخصم السياسي، إلى التآكل من الداخل وإنتاج الإهانة والانتقام بين مختلف الشبكات والعصب، وهي ثقافة مدمرة تقضي على العمران المادي والبشري، وقد تفجر كل ما تبقى من هياكل الدولة وتضع الجزائر ككيان سياسي وقانوني في مخاطر التقلبات الدولية التي لا ترحم الدول الضعيفة التي تصنع الخلاقات وتضعف نسيجها الاجتماعي، وهو مصير البلدان القائمة على تقديس الأشخاص عوض بناء المؤسسات وتقوية النسيج الاجتماعي.
منظومة الحكم أصبحت اليوم بسبب غرسها لثقافة الاستعداء والإهانة والانتقام، أكبر عدو للدولة ولثقافة البناء، بل وأصبحت تهدد الأمن القومي، لذلك فإن بناء جسور التوافق التاريخي بين الجزائريين والجزائريات هو الكفيل بإنقاذ الدولة والأمة لبناء جزائر جديدة تغرس ثقافة الإنصات والاختلاف والاحترام لبناء المجتمع المفتوح الذي يتكفل ببناء دولة المؤسسات عوض الأشخاص، دولة الحق والقانون التي تضمن الحق في الاختلاف والاحترام عوض الإهانة والانتقام.
الجزائر في 6 سبتمبر 2019
تصوير وتحرير رضوان بوجمعة