انها الفرصة الثالثة .. فلا تضيعوها – شروط نجاح الحراك و انتصار الثورة
محفوظ بـــدروني – نائب رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد
01 نوفمبر2020
تمهيد:
لقد عرف تاريخ الجزائر الحديث ثلاث فرص لإرساء نظام ديمقراطي و إقامة الدولة الحق و العدل و الحريات، دولة القانون و المؤسسات، دولة تعبر بحق عن طموحات الشعب و تمثل بصدق تطلاعاته في غد أفضل، دولة التي كان يحلم بها زعماء الحركة الوطنية و قادة ثورة التحرير و المعارضون للنظام الديكتاتوري الذي تأسس بدءا من استقلال البلاد. إنّ الفرص التي سنحت لإقامة نظام سياسي رشيد هي فرص ثلاث: الفرصة الأولى(بعد الاستقلال و بعد ثورة عظيمة)، الفرصة الثانية(بعد أحداث أكتوبر و الانفتاح السياسي) الفرصة الثالثة الراهنة (بعد الحراك المبارك و الثورة السلمية/22 فبراير2019).
و لئن فشلتا الفرصتان الأوليتان لأسباب عديدة و اعتبارات شتى ذكرت بعضها في مقال سابق تحت عنوان « أخطاء رئيسية للنخب السياسية بعد الانفتاح السياسي عام 1989 » فإن على الجيل الحاضر مسؤولية عظيمة في انجاح الفرصة الراهنة المتمثلة في الحراك الشعبي و الثورة السلمية.
شروط عدم ضياع الفرصة الثالثة:
لقد نضج الشعب من خلال التجارب المريرة التي مر بها و تجلى ذلك من خلال مطالبه الرئيسية التي عبر عنها ابتداء من انطلاق الحراك و المتمثلة في رحيل العصابات الحاكمة و رموز النظام و من خلال الشعارات المرفوعة التي كان من أبرزها المطالبة بالتغيير الجذري و ابعاد الجيش من التدخل في المجال السياسي و إدارة شؤون الحكم.
و لكي لا تضيع الفرصة الراهنة لا بد من وضع تصور متكامل عن الشروط الضرورية و الأسباب الأساسية لتحقيق التغيير المنشود و انجاح الحراك و انتصار الثورة و التي نراها تتمثل أساسا في ما يلي:
1°)- الادراك الصحيح لطبيعة الأزمة:
إنّ أولى خطوات العلاج أو الحكم على الشيء تبدأ أولا من التشخيص. و التشخيص لطبيعة الأزمة التي تعرفها البلاد يقتضي الإقرار أن النظام الحاكم هو:
نظام غير شرعي منذ عام 1962 هو نظام لا يتمتع بأدنى مستوى من المشروعية القانونية و لا الشرعية الشعبية. فقد تأسس هذا النظام بانقلاب عسكري قام به جيش الحدود الذي كان يرابط خارج حدود البلاد في صائفة عام 1962 على المؤسسات الشرعية للثورة الجزائرية و استولى على مقدرات البلاد و أقصى الشعب كله من المشاركة في صنع القرار و اختيار نظامه السياسي و من يمثله في الهيئات و المؤسسات .. و منذ ذلك التاريخ استمرت أقلية مستحكمة مرتبطة عضويا بالخارج في حكم البلاد و العباد بكل أنواع القهر و الاستبداد و الفساد.
نظام استبدادي: و كتحصيل حاصل لإنعدام شرعيته، قام هذا النظام بمصادرة الحريات الفردية و الجماعية و اعتداءات متكررة على حقوق الإنسان و المواطن.. فهو لا يؤمن إلا بالقوة الغاشمة للوصول و البقاء في السلطة، و لا يعترف بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره و اختيار حكامه بكل حرية و شفافية و نزاهة، حيث ابعد الشعب الجزائري منذ عام 1962 كلية في المساهمة و المشاركة في بناء نظام الحكم و تسيير شؤون البلاد و انحصر ذلك في قلة قليلة من العسكريين و المدنيين الموالين لهؤلاء العسكريين.. فهو نظام أحادي لا يعترف إلا بنفسه و بتوجهاته و قراراته و سياساته و إن أدت إلى اهلاك الحرث و النّسل.
نظام مجرم: لقد ارتكب هذا النظام و لا يزال، منذ تأسيسه و استيلائه على السلطة عام 1962 جرائم عدة و مظالم كثيرة ضد الشعب الجزائري بواسطة أجهزته و أعضائه و أتباعه انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان و المواطن تراوحت بين الاعتقالات و الاغتيالات و الإعدامات و الاعتداء على الممتلكات بلغت ذروتها خلال ما سمي بالعشرية الحمراء(1992-2002).
نظام خائن: لقد خان هذا النظام أمانة الشهداء و البنود المتضمنة في بيان أول نوفمبر 1954 كما ارتهن إرادة الأمة للقوى الأجنبية و القرار الوطني للخارج و مكن للقوى الدولية والأجنبية بالعبث بمصالح البلاد و حقق لهم ما لم يكن يحلم به هؤلاء.
نظام فاسد: لقد استطاع هذا النظام جعل الجزائر من أكثر الدول فسادا و اتساخا في العالم و مرتعا لكل الآفات الإجتماعية و الفساد السياسي و الإداري، الفساد الإقتصادي و المالي، و الفساد الإجتماعي و الأخلاقي، و أضحى الفساد « رياضة » وطنية بامتياز و نجح النظام في تعميمه و دمقرطته حتى غدا الفساد هو المعيار الوحيد و المقياس الأوحد لتولي المسؤولية و المناصب في المؤسسات و الهيئات و من ثمّ فقد اضحى الفساد ذا طبيعة علاقة هيكلية مع النظام السياسي.
أنه نظام فاشل: إنّ هذا النظام قد فشل فشلا ذريعا في تحقيق أية تنمية تذكر أو تقدم اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي إذ أصبحت الرداءة هي المهيمنة على مفاصل الهيئات و « المؤسسات » و القاسم المشترك لكل السياسات و الإجراءات و لم ينجح هذا النظام إلاّ في إثنتين: تخريب العقول و افساد المجتمع، و زرع اليأس و القنوط.
2°)- التوافق على مشروع إعادة بناء الدولة:
التوافق على مشروع سياسي وطني غير إيديولوجي: بتوحيد الجماعة الوطنية على أهداف و مبادئ جامعة و قواسم مشتركة تكون شرطا للقوامة و العيش المشترك السلمي و منعا من ما قد يؤول الصراع السياسي إلى احتراب داخلي، و يجعل الجماعة الوطنية تحكم نفسها بنفسها بفعل موافقة الأكثرية و التي عبر عليها الشعب من خلال مظاهراته و شعاراته التي رفعها و العمل على تجسير العلاقة بين مكونات الأمة بجميع أطيافها، والبحث عن القواسم المشتركة التي ينبغي الاشتغال على توسيعها لمواجهة الاستبداد السياسي، وغير ذلك مما يدخل في مقتضيات ترتيب خارطة الاندماج في الحقل السياسي، والتكيف مع البيئة السياسية واستثمار قواعدها للتمكين للمشروع الوطني والنأي بالذات عن الخيارات غير السليمة في الإصلاح السياسي.
التوافق الوطني عبر الثوابت والأُسس التي تختارها أغلبية المواطنين في المجتمع و التي يتوافق عليها المجتمع في الخيارات الكبرى مثل السيادة الشعبية، والهوية الوطنية، و الشرعية الشعبية، ثم الوحدة و السيادة الوطنية، و الدولة المدنية وغير ذلك من القواعد التي تجعل النظام السياسي متوافقا مع النظام الاجتماعي ومنظومة القيم المجتمعية و الثقافية والحضارية السائدة، فتصبح الدولة بكل سلطاتها تعبيراً عن المجتمع، وتصبح القوى والتنظيمات السياسية متوافقة على ما توافق عليه المجتمع.
3°)- العمل تحت مظلة جامعة وكيان موحد – ضرورة تنظيم الحراك:
لا بد من تجميع النشطاء و العاملين من أجل التغيير في إطار واحد ليتم توحيد المطالب وتوحيد الخطاب، وهنا تبدو أهمية وجود تنظيم، وهو العنصر الأهم في الحراك. فعملية الاحتجاج تقوم على وجود كتلة صلبة من الأشخاص المنظمة سويا، يقومون ببدء الحراك ليحتشد باقي المحتجين حولهم، ويحافظون على مسار حركة التظاهر، فالتنظيم باختصار هو عصب أي حراك..
لذلك كان لزاما أن يتجمع متصدرو المشهد في الداخل و الخارج في كيان جامع و جبهة وطنية موحدة لديها رؤية وخطة لإدارة الصراع لأجل اقتلاع النظام الاستبدادي..
إنّ التاريخ لم يسجل أن ثورة ناجحة قامت بدون تنظيم.. فكل الثورات الناجحة على مدار التاريخ كانت تدار و تسير من قبل تنظيم يدير و يشرف على إدارة المعركة مع القوى المعادية..
المجموعات المنظمة الصغيرة لا تحدث التغيير.. النظام القائم منظم فلا يمكن الانتصار عليه بدون تنظيم يضع تنظيم يضع الخطط ويوجه الكفاح.. لذا يتحتم علينا الاستفادة من بيان مفدي زكريا(1976) الذي أرشد المعارضة أنذاك إلى الطريق الصحيح.
خطأ ثورات الربيع العربي أنها قامت بمواجهة النظام بتنظيمات متفرقة و كتل غير موحدة و بعدها عمدت الى إنشاء أحزاب سياسية.. إنّ تأسيس أحزاب في ظل نظام لا يعترف إطلاقا بالتعددية السياسية و لا بالانتخابات الحرة و النزيهة هو عمل تخريبي و مشاركة في جريمة تشرذم المشهد السياسي و إطالة لعمر النظام غير الشرعي و انسحاب من المعركة التي يخوضها الشعب الجزائري من أجل استرداد حريته و سيادته.
ضرورة تنظيم و تأطير الثورة في مظلة جامعة وكيان موحد لإدارة الصراع مع النظام القائم يمكن من اكتساب مصادر القوة و منابع القدرة(مال، إعلام، جماهير، حركة…)، فالتنظيم حتى وإن كان صغيرا وقليل أفراده فهو أكثر فاعلية و فعّالية من حركة الجماهير غير المنظمة و إن كانت كثيرة العدد و التي يمكن تضليلها أو استدراجها في معارك جانبية أو تحريفها عن مسار الثورة الحقيقي.
و لكي تكتمل الصورة هو ضرورة أن تحقق القاعدة الذهبية التالية: « حاضنة شعبية – كتلة صلبة – قيادة راشدة ».
4°)- رفض الوصاية على الشعب:
لا يقبل الوقوع في نفس خطأ النظام بممارسة الوصاية على الشعب بفرض قناعات و إيديولوجيات دون المرور عبر الانتخابات أو ممارسة الاستبداد على الشعب تحت شعارات براقة. فالذي يقرر وله الحق في اتخاذ القرارات هو المنتخب من قبل الشعب وحده و غير المنتخب ليس له أن يقرر بل يقترح فقط و يراقب.
لا يقبل النص في أية مبادرة على مبادئ أساسية غير جامعة أو أن يوضع تصورا لما يكون عليه النظام السياسي الجديد للدولة الجزائرية(أو الجمهورية الجديدة) من قبل هيئة أو أشخاص غير منتخبين من قبل الشعب فهذا غير معقول سياسيا و لا مقبول شعبيا.. إنّ إرساء مبادئ أو قواعد أو إجراءات فوق دستورية تلزم بها الجمعية التأسيسية المنتخبة(إمّا مباشرة من قبل الشعب أو غير مباشرة من قبل برلمان الشرعي للشعب الجزائري) يتناقض تناقضا صارخا مع مبدأ السيادة الشعبية التي عبر عنها الشعب الجزائري في الحراك الشعبي رافعا لافتات تجسد هذا المبدأ (تطبيق المادة 7 و 8 من الدستور)..
فالشعب الجزائري الذي خرج منذ 22 فبراير 2019 و من قبل هذا التاريخ من أجل التعبير عن حريته و استرجاع سيادته كاملة غير منقوصة لا يمكنه أبدا أن يستبدل وصاية العسكر – الذي سيطر على مقاليد الأمور و فرض وصاية مطلقة على الشعب – بوصاية أخرى تفرضها قوى سياسية مهما كانت قوتها و توجهاتها.
يجب أن لا تكون الغاية من المشاركة في الثورة والحراك و العمل على إنجاحها أن تنتصر قناعات و تتفوق إيديولوجيات بفرض سياسات و أجندات و تصورات بل تمكين الشعب الجزائري من استرداد سيادته و استعادة حريته في تقرير مصيره و اختيار حكامه.
إنّ عهد استبداد الايديولوجيا الضيقة قد ولّى و أنّ اليقظة واجبة وثقتنا في شباب الحراك كبيرة.. إنّ الحَراك ليس حركة شارع بل حركة في الوعي الجمعي يعمل على أن يتجسد اختيار المجتمع لمشروعه وإرادة الشعب.
5°)- الوحدة لا التفرق و التجميع لا الإقصاء:
إنّ الوحدة بين العاملين من أجل التغيير هو شرط أساسي لتحقيق النصر و خطوة على الطريق الصحيح، كما أن المتنازعين لم يستطيعوا يوما تحقيق أية نتيجة أو إنجاز أي عمل، بل إن التنازع هو بداية الانهيار..
لذا لابد من نبذ الحزبية و التحزب و رفض الاصطفاف الإيديولوجي. لقد عان الشعب الجزائري من حالة الإقصاء التي مارسها النظام القائم في حقه و هذا منذ الاستقلال و عرفت الجزائر حالة حادة من الاستقطاب بين بعض القوى السياسية أدى ببعضها إلى المطالبة علنا و خرقا لمبادئ الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان إلى إقصاء تيارات أو أحزاب تخالفها المنهج و المرجعية..
لذا وجب الابتعاد عن أي توجه إقصائي و منحى إستئصالي و بالنتيجة وجب تجميع كل الإرادات السياسية والقوى المجتمعية للمشاركة في عمل يرجى منه أن يكون قويا و فعالا حتى يتمكن من خلق ميزان قوى لصالح الشعب لأجل فرض حلول تؤدي إلى تحقيق دولة الحق و العدل و القانون و الحريات الديمقراطية..
و عليه فإنّ أي سياسة تسعى إلى إقصاء تيارا أو تيارات سياسية موجودة في الساحة – لا سيما إذا كانت متجذرة في المجتمع– ستكون عواقبها خطيرة و نتائجها كارثية على جميع الأصعدة. ثم من له الحق اقصاء جزء من الشعب هو الشعب نفسه في انتخابات حرة ونزيهة.
6°)- الادراك الصحيح لطبيعة الصراع و منهج التغيير:
اعتماد المنهج الثوري و ليس الإصلاحي فلا يوجد في هذا النظام ما يمكن إصلاحه فليس من الحكمة والسياسة تبني « خطاب معارض » لنظام كهذا، بدلا من تبني « خطاب ثوري » يدعو لاقتلاع هذا النظام من جذوره، وإعادة السيادة للشعب كي يختار من ينوب عنه، ويمثله (بحق) في إدارة البلاد..
لا بد من إحداث قطيعة مع النظام الديكتاتوري الغاشم و عدم الاعتراف بشرعية العمل ضمن أطره و حدوده مع الاقتناع التام باستحالة تحقيق التحول الديمقراطي و استحالة التخلص من النظام الديكتاتوري الأستبدادي الشمولي ضمن الأطر و الأدوات التي تسمح بها السلطة القائمة و الإطار السياسي و القانوني التي توفره..
لا بد أن يتم التغيير من خلال الكفاح و النضال و الجهاد السياسي بوسائل غير تقليدية أي ليس تلك التي يسمح بها النظام أو التي تجود بها السلطة القائمة أو ترخص لها لأنها سلطة غير شرعية أصلا و أن الهدف الأساسي للحراك هو العمل على اسقاط النظام و ليس السلطة الظاهرة من حيث أن هذا النظام الاستبدادي هو الذي أوجد هذه السلطة و أن الحراك الثوري يعمل على استعادة الشرعية الشعبية التي صادرها النظام منذ عام 1962.
لا بد من تبني المنهج الثوري للتخلص من النظام الديكتاتوري الأستبدادي الشمولي و إقامة نظام حكم ديمقراطي حقيقي بالمغالبة عن طريق حراك شعبي ثوري سلمي لإرغامه على التفاوض على مغادرة الحكم و السلطة بلا قيد أو شرط باستعمال كل الوسائل السلمية المتاحة بالتالي فإن هذه الوسائل هي التي ستمكن من تغيير موازين القوى لصالح قوى التغيير و ليس باستعمال الوسائل التي يسمح بها النظام القائم لأنّ النظام الاستبدادي لا يمكن أبدا أن يسمح بوسائل قانونية تؤدي إلى نهايته و زواله..
و لكي يتحقق ما ذكر أنفا لا بد من اكتساب عناصر القوة ومنابع القدرة لترجيح ميزان القوة لصالح قوى الحراك و الثورة لأجل تحقيق هدف واحد و هو تحرير البلاد و تحقيق الاستقلال.. لذا وجب العمل في إطار جماعي و الانفتاح على جميع القوى الداعية إلى التغيير و فئات الشعب المختلفة مع فسح مجال الانضمام إلى الثورة إلى كل المناضلين من كل ألوان الطيف السياسي و من جميع الحساسيات السياسية و من كل الاتجاهات الإيديولوجية لأجل تجميع قوى السياسية و الشخصيات الفاعلة و النشطاء العاملين بغض النظر عن الإختلافات الأيديولوجية و الفكرية و السياسية التي تسود بينهم و من ثمّ التوجه نحو الشعب مباشرة لأنه هو الذي سيحسم المعركة في نهاية المطاف.
7°)- تزويد الثورة بمراجع و وثائق:
إنّ مؤتمر الصومام هو الذي قام بإنجاز نقلة نوعية في عملية الكفاح و النضال و الجهاد خلال ثورة التحرير من حيث أنه وضع أرضية لمبادئ أساسية لإدارة الكفاح و تأطير الثورة و تنظيمها و هيكلتها وفق مقتضيات المرحلة مكنتها من الاستمرار و الصمود.
فالمراجع هي بمثابة دليل للنشطاء و مرشد العاملين من أجل التغيير تضع الخطة و توضح الرؤية و تحدد معالم طريق الكفاح من أجل تحقيق أهداف الحراك و الثورة الشعبية. و أعتقد أن الثورة تحتاج إلى ثلاث مراجع أساسية هي كالتالي:
أرضية سياسية جامعة: تحدد أسباب ودواعي الحراك و أهداف ومقاصد الثورة و تحدد بوضوح المبادئ الجامعة و القيم الحاكمة للنظام السياسي المنشود و تضع خريطة طريق لمستقبل البلاد تؤمن للدولة الاستمرار وتحقق الانتقال إلى دولة الحق و العدل و الحريات كما تحدد المراحل والإجراءات الكفيلة بانتقال ديمقراطي حقيقي، سلمي و سلس.
استراتيجية واضحة المعالم: تحدد كيفية إدارة الصراع مع النظام و تركز على معرفة العوائق و كيفية علاجها، والتحديات وكيفية مواجهتها، وتضبط منهج التغيير وقواعد العمل و الحركة، وتضع سياسة واضحة في كيفية التعامل مع الغير(القوى الداخلية و القوى الخارجية)، كما تحدد أساليب المواجهة و تبتكر البدائل المحتملة لكسب عناصر القوة و منابع القدرة من أجل ضمان النجاح و تحقيق النصر.
ميثاق شرف أخلاقي: يضبط العلاقة بين النشطاء و العاملين من أجل التغيير و يضع ألية حضارية في فض النزاعات المحتملة من حيث أنّه يمثل عالم القيم الموازي للبيانات والخطابات السياسية حتى تكون الأخلاق حاضنة لتصالحات السياسيين والنشطاء والثوار. كما يبعث برسالة طمأنة للجميع بأن الانضواء تحت أي ميثاق أو بيان لا يهدف إلى صناعة قوى متطابقة أحادية، بل هو ميثاق تعددي للمؤمنين به، متوحد في تحقيق مطالب الحراك و أهداف الثورة.
8°)- تَمَثُّل أخلاق و سلوكات الثوار:
على الجيل الحاضر الذي أخذ زمام المبادرة لإزالة النظام الديكتاتوري و إنهاء حكم العسكر الاستلهام من أخلاق جيل نوفمبر و الأجيال التي سبقته و الاستفادة من تجربته الناجحة في العمل و الكفاح و الجهاد من أجل الوطن و المتمثلة أساسا في:
التضحية و الإنفاق بالمال و الوقت، و التضحية بكل غال و نفيس.
الترابط بين الغاية و الوسيلة: بأن تكون الوسائل في مستوى الغايات المراد تحقيقها و أن تكون نظيفة و شريفة شرف الغاية التي نصبو إلى تحقيقها.
الثبات على المبدأ: بعدم تغيير المبادئ مهما كانت التضحيات و التكاليف المدفوعة و الثمن المقدم لتحقيق أهداف التغيير سواء كان ذلك في مرحلة الضعف أو في مرحلة القوة.
النصرة و الموالاة: بالتناصر بين أفراد و عناصر الحراك و الثورة مهما اختلفت رؤاهم و تباينت آراؤهم في بعض الجزئيات، و اعتبار هم جسدا واحدا إذا أصاب جزء منه شيء تداعى له بقية الأجزاء.
الصبر على البلاء: ذلك أن الإبتلاء و الفتنة سنة من سنن الله فكلما ترشح فرد أو جماعة لمهمة أعظم و غاية أعلى كان بلاؤها أشد وأشمل.. لذا وجب التذرع بالصبر و الثبات لأنّ المعركة طويلة و شاقة.
موافقة القول للعمل: وهذا بأن تكون سريرتنا كعلانيتنا و أن تكون أعمالنا كلها موافقة لمراجع الثورة و مبادئها و قيمها من حيث لا يظهر أي تناقض أو تضاد بين ما نقوله و بين ما نعمله في أرض الواقع.
نظافة اليد: بعدم التورط مع منظومة الفساد أو الاستبداد أو مع من تلطخت أيديهم في الدماء و الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان أو كانوا يوما ظهيرا للمجرمين أو مؤيدين للإنقلابيين.
الإخلاص صدق النوايا و نكران الذات بإعلاء المصلحة العليا للبلاد و رفض الزعامة و تقديس الأشخاص.
و في الخلاصة يمكن القول إنّ هذه شروط ضرورية لكنها غير كافية بل إنّها تشكل الحد الأدنى لتحقيق الأهداف الثورة و الحراك فلا بد من عقل ناضج يدير المعركة ضد منظومة الفساد و الاستبداد و يرسم البوصلة و ينأى بنفسه من أن تستدرج الثورة لجحور النظام المظلمة، و يعرف تمام المعرفة قضيته الكبرى، اليوم وغدا، و هي هزيمة منظومة الفساد و الاستبداد وتمكين الشعب من الاختيار الحر، وهم(أي الثوار)ليسوا معنيين بأي نعيق أو معارك جانبية هامشية لإغراقهم في متاهاتها، فإن لم نفعل ذلك و لم نبذل الجهد لتحقيق ذلك، فإننا سنضيّع هذه الفرصة التاريخية، و سنستحق لوم بل حكم الشعب و الأجيال و التاريخ علينا و « سنبكي كالنساء على ثورة لم نحافظ عليها كالرجال ».