لندن ـ عربي21 – الإثنين، 07 سبتمبر 2020
قالت « هيومن رايتس ووتش » اليوم: « إنّ السلطات الجزائرية وجّهت تهما إلى ناشط بسبب دعمه السلمي للحراك الشعبي الجزائري المؤيّد للإصلاحات ولمقاطعته الانتخابات الرئاسية في كانون الأوّل (ديسمبر) 2019 ».
جاء ذلك في بيان لهيومن رايتس ووتش اليوم نشرته على موقعها تعليقا على قرار محكمة جزائرية تأجيل محاكمة الناشط عبد الله بن نعوم المعتقل منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي بسبب تردّي وضعه الصحي.
وذكرت هيومن رايتس ووتش أن الناشط عبد الله بن نعوم، الذي يعيش في مدينة غليزان في شمال غرب الجزائر، هو من بين 45 جزائريا معتقلين حاليا ويواجهون تهما بسبب مشاركتهم في الحراك، الذي عُلّقت تجمّعاته الحاشدة منذ آذار (مارس) 2020 بسبب تفشي فيروس « كورونا ».
ويقبع ابن نعوم في الاحتجاز منذ كانون الأول (ديسمبر) 2019. وبدأت محاكمته في تموز (يوليو)، ثمّ أُرجِئت بسبب صحته المتدهورة، لكنّ القاضي رفض مجددا في 2 أيلول (سبتمبر) عريضة للإفراج عنه من الحبس الاحتياطي. وقال محاميه إنّه مصاب بمرض في القلب يتطلّب عملية جراحية.
الجزائر: ناشط يواجه تهما بسبب دعمه السلمي للمظاهرات
وقال إريك غولدستين، مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في « هيومن رايتس ووتش »: « قد يكون عبد الله بن نعوم أقلّ شهرة من شخصيات الحراك البارزة في العاصمة، لكنّ سجنه يجسّد عزم السلطات على سحق الحراك السلمي للإصلاح الديمقراطي في كامل البلاد ».
ويحتوي ملفّ قضية ابن نعوم بشكل أساسي على نسخ مطبوعة لمنشورات « فيسبوك » من أيلول (سبتمبر) حتى كانون الأوّل (ديسمبر) 2019 يندّد فيها بأشخاص في الحكم ويحثّ على مقاطعة الانتخابات المقرّرة.
وتتهم وحدة شرطة غليزان لمكافحة « جرائم المعلوماتية » ابن نعوم بـ « التحريض على العصيان ومقاطعة الانتخابات الرئاسية »، بحسب تقرير في ملفّ القضية. كذلك يشير الملفّ إلى فيديوهات تظهر ابن نعوم « أثناء قيامه بنشاطه في إلقاء خطابات سياسية تحريضية ». كذلك يذكر الملف أنّ منشورات فيسبوك على صفحة ابن نعوم شملت شعارات مثل « لا للاعتداء على اختيار الشعب »، « لا لانتخابات العسكر »، و »الخيار الدستوري للعسكر يفرض إرادتهم على إرادة الشعب ».
يتضمّن ملفّ القضية أيضا محادثات نصية بين ابن نعوم وناشط آخر من غليزان، وهو خالدي علي، المعروف أيضا بـخالدي ياسين، الذي اعتُقل في اليوم نفسه ويواجه تهما مشابهة في السجن.
ووفق بيان « هيومن رايتس ووتش »، فإن ابن نعوم متّهم بخمس جرائم، وجميعها مذكورة في قانون العقوبات بمصطلحات فضفاضة لدرجة أنّه يمكن استعمالها لمعاقبة التعبير والنشاطات السلمية: منشورات فيسبوك « تسعى إلى إضعاف الروح المعنوية للجيش » (المادة 75)؛ و »المساس بسلامة وحدة الوطن » (المادة 79)؛ و »الإضرار بالمصلحة الوطنية » (المادة 96)؛ والتحريض على « التجمهر غير المسلّح » الغير المرخّص (المادة 100)؛ و »… إهانة هيئة نظامية » (المادة 146)؛ و »التقليل من شأن الأحكام القضائية » (المادة 147). تحمل جميع التهم أحكام سجن، ويصل بعضها إلى 10 أعوام.
وأكدت « هيومن رايتس ووتش »، أن وكلاء الجمهورية في الجزائر وجهوا تهما مشابهة إلى نشطاء آخرين في الحراك والتي تجرّم انتقاد المؤسسات الحكومية وتنتهك الحقّ في حرية التعبير.
يذكر أن الحراك هو حركة احتجاج شعبية بدأت بالتظاهر في الشوارع أسبوعيا في مدن جزائرية عديدة في شباط (فبراير) 2019، لمعارضة عزم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الترشح لولاية خامسة لخمسة أعوام.
وقد استقال بوتفليقة في نيسان (أبريل) 2019، لكنّ المظاهرات استمرّت، وطالب الحراك بعملية استشارية لإصلاح النظام السياسي قبل الانتخابات الرئاسية.
وقاومت السلطات مطالب الحراك وأجرت انتخابات في كامل البلاد في 12 كانون الأوّل (ديسمبر)، وفاز فيها عبد المجيد تبون الذي كان رئيس وزراء في عهد بوتفليقة، وسجلت نسبة الاقتراع انخفاضا تاريخيا.
وأعلن الرئيس تبون في البداية أنّه منفتح على الحوار مع الحراك، ووعد بأنّ الحكومة ستتولّى « ترسيخ الديمقراطية، وحكم القانون، واحترام حقوق الإنسان ».
على الرغم من تردّي صحة ابن نعوم، رفض القاضي الذي يتولّى القضية الإفراج عنه، متذرّعا بخطورة التهم بحقّه. وقال العسكر إنّه، عندما بدأت المحاكمة في 16 تموز (يوليو) في محكمة في غليزان، وافق القاضي على طلب ابن نعوم لإجراء فحص طبي كانت نتيجته أنّ حالته لا تؤهّله للمثول أمام المحكمة. وافق القاضي على إرجاء المحاكمة ولكن ليس على الإفراج عن ابن نعوم في هذا الوقت، وأكّد القاضي مجدّدا قرار الرفض في 2 أيلول (سبتمبر).
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، ينبغي أن يكون الحبس الاحتياطي الاستثناء وليس القاعدة. وعلى سلطات الدولة أن تبرز ضرورة الحبس الاحتياطي في كلّ حالة فردية، وتتحمّل العبء المتزايد بإثبات ذلك كلما طالت فترة الحبس الاحتياطي.
نُقل ابن نعوم بين سجنَيْ غليزان ووهران منذ اعتقاله، ويقبع حاليا في سجن وهران.
كان ابن نعوم حرّا لستّة أشهر فقط قبل اعتقاله في ديسمبر/كانون الأوّل. قبلها كان يقضي حكم السجن لسنتين بناءً على تهم سياسية متعلّقة بالتعبير السلمي عندما أُفرج عنه في يونيو/حزيران 2019، قبل 10 أشهر، بعد أن نفّذ إضرابا عن الطعام. في القضية الأولى، أدانته المحكمة بتهمة « الإساءة إلى رئيس الجمهورية » (المادة 144 من قانون العقوبات) و »استعمال جراح المأساة الوطنية [العنف السياسي في الجزائر في التسعينيات] للمساس بمؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها… أو لتشويه سمعة الجزائر » (المادة 46 من « ميثاق السلم والمصالحة الوطنية » للعام 2006).
قال غولدستين: « تتساوى مدة سجن ابن نعوم مع رئاسة تبون تقريبا. كما أنها شاهد فظيع على نقض تعهدات تبون بالإصلاح ».
وفي لندن حذّر القيادي في حركة « رشاد » الجزائرية المعارضة الديبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت، من أن حياة الناشط عبد الله بن نعوم في خطر، بسبب صنوف التعذيب التي تعرض لها، وأيضا بسبب رفض المخابرات تمكينه من إجراء عملية القلب التي يحتاجها مع طبيبه في الجزائر العاصمة، وأيضا بسبب إضرابات الجوع التي يخوضها مع رفاقه المعتقلين احتجاجا على تردي أوضاعهم في السجن ».
وقال زيتوت في تصريحات خاصة لـ « عربي21 »: « كل المؤشرات المتوفرة لدينا توحي بأن عبد الله بن نعوم قد يلقى مصير الناشط الجزائري الذي توفي بالسجن كمال الدين فخار، وكل ذلك بسبب سياسة الانتقام التي تسلكها ضده المخابرات في ولاية غليزان عقابا له على نشاطه في الحراك ».
وأشار زيتوت إلى أن أعداد معتقلي الحراك في الجزائر أكثر بكثير من العدد الذي أشار إليه تقرير « هيومن رايتس ووتش » أي 45 معتقلا، وقال: « السلطات الجزائرية عادة ما تمارس سياسة الكرسي الدوار في التعامل مع ملف المعتقلين، إذ أنها تلجأ إلى الإفراج المؤقت عن بعض النشطاء عندما يشتد الضغط عليها، ثم سرعان ما تعود وتعتقل ذات الأشخاص، وتضغط على أسرهم بعدم الإفصاح عن ذلك ممنية إياهم بقرب الإفراج عنهم ».
وأكد زيتوت أن « سياسة الاعتقال والتعذيب والتنكيل التي تنتهجها السلطات الجزائرية في مواجهة مطالب التغيير الديمقراطي من شأنها أن تؤخر قليلا ساعة النصر، لكنها لن توقف الحراك ».
وأضاف: « الحراك الجزائري المطالب بالتغيير الديمقراطي الذي انطلق منذ شباط (فبراير) من العام الماضي، خط طريقه ودفع ثمنا باهظا لذلك، وهو مستمر في المطالبة بالدولة المدنية، بنا وبغيرنا، ولذلك عبثا تسعى قوى الردة والجذب إلى الوراء لوقف عجلة الزمن عن التقدم »، على حد تعبيره.