نصرالدين السويلمي 16 مايو 2019 www.babnet.net
بعد الانتهاء من حوار صحفي أجريته مع السيدة سهام بن سدرين، في ألمانيا خلال شهر جوان 2011 في مدينة » Troisdorf » رافقتها بالسيارة الى مدينة بون، وفي الطريق قلت لها ان في تونس ثلاث شخصيات موثوقة يجب ان تلعب الادوار الاولى في الحفاظ على الثورة، راشد الغنوشي، المنصف المرزوقي، وسهام بن سدرين، كان ذلك قبل انتخابات المجلس التأسيسي وقبل ان تتضح الخارطة، وقبل ان ينزح ادعياء الثورة الى موائد الثورة المضادة، وقبل ان يتبشر ويتزيد ويتعسكر ويتحفتر الكثير ممن كانت الفاظهم مع الثورة وخناجرهم عليها، كنت على يقين بأن هذه السيدة لا يمكن ان تبيع! اقول لا يمكن ان تبيع وليس لا يمكن ان تخطئ او تتجاوز..
واليوم ورغم كل الذي قيل عن سهام، ورغم الخصومات ورغم المآخذ المفتعلة و الصحيحة والسقيمة، تبقى بن سدرين تلك المرأة الحديدية التي أجبرت السلطة على فتح الصندوق الأسود، والشروع في محاكمة قتلة الزعيم صالح بن يوسف، ونحن نستحضر الإنجاز الذي تحقق بعد 58 سنة، بعد أكثر من نصف قرن، علينا نستحضر أيضا أن ملف كينيدي مازال تحت سلطة الصندوق الاسود، وان ملف حليم الثورة الجزائرية كريم بلقاسم مازال رهينة لدهاليز الأسرار، كما ملف بن بركة وغيره من الملفات، علينا ان ندرك ما معنى ان يُسحب ملف صالح بن يوسف من الخزنة المصفحة، ويوضع فوق الطاولة ويصبح على مرمى مطرقة القضاء وعدسة الإعلام وقوى المجتمع.
عندما كنا صغارا، كانوا يلحون على طفولتنا ان اسم صالح بن يوسف ليس كباقي الأسماء، كانوا يرغبون في تسويقه ضمن سلالة الغول والعبيثة والساحرة الشريرة، كانت لديهم كل الإمكانيات للنجاح في ذلك، وكنا لا نملك غير مضادات الطفولة الحيوية، وحدها كانت « توتوت » لنا دون ان يسمع بوليس بورقيبة، تهمس لنا في آذاننا الصغيرة « تالله إنهم لكاذبون »، كان المذياع يضخ على طفولتنا بان صالح بن يوسف يحمل في رأسه قرنين وانيابه بارزة واللعاب يسيل من اوداجه وشكله يشبه مصاص الدماء، لكن الطفولة كانت تستعذب هذا الاسم، كان اسم صالح بن يوسف مزيجا من موسيقى الحرب والحزن، كان اسمه أقرب الى ابو القاسم الشابي والدغباجي وفرحات حشاد.. بينما اسماء خصومه اقرب الى « دراغولا ».
ايها الشعب الكريم، هاهو الملف فوق طاولة القضاء، وهاهي السيدة الحديدية وهيئتها الموقرة، تقصّر علينا الطريق، فالوطن الذي خرج فيه ملف صالح بن يوسف من غياهب المحظور، لن تبقى فيه ملفات اخرى حبيسة للصندوق الاسود، أيها الشعب الكريم، ها هي مجهودات بن سدرين والهيئة تثمر، وهاهي المحكمة الابتدائية في تونس تنادي على المتهمين: الحبيب بن علي بن حاج محمد بورقيبة، حسن بن عبد العزيز الورداني، البشير زرق العيون، عبد الله بن مبروك الورداني، محمد بن خليفة محرز، حميدة بنتربوت.. هاهي الحيثيات تؤكد مشاركة الدولة التونسية ورئاسة الجمهورية والحرس الرئاسي ووزارة الداخلية ووزارة الشؤون الخارجية وسفارة تونس بسويسرا في أطوار الجريمة.
ايها الشعب الكريم، ثورة ادخلت يدها على عمق 58 سنة، وانتزعت جريمة الدولة الأكبر في تاريخ تونس، واخرجتها لترى النور، لهي ثورة جديرة بان ندفع من أجلها ارواحنا لتستمر وتستتب وتسود.. ايها المرحوم صالح بن يوسف هذه سبعطاش ديسمبر تقرؤك السلام، وهذه اربعطاش جانفي تطبع على جبينك المضرج قبلة الوداع العادل، ايها الشهيد الرحالة، اليوم واليوم فقط نقبل فيك العزاء..عظم الله اجرنا واثابنا في مصيبتنا.