septembre 8, 2019
17 mins read

جسور التوافق و جدران شبكات الفساد

الجزائر الجديدة 98. بقلم رضوان بوجمعة
جسور التوافق و جدران شبكات الفساد

ستولد الجزائر الجديدة من رحم التوافق التاريخي البعيد عن كل تطرف ديني أو هوياتي او جهوي، هذا التوافق بين العمق الثوري للأمة الجزائرية و العمق الاستراتيجي لمنظومة الحكم، لأن تغيير منظومة الحكم أصبحت مسألة وجودية للجزائر كأمة وككيان سياسي و قانوني. 

بناء جسور التوافق و التشاور و الحوار، هي مسألة لم تولد مع ثورة 22 فيفري الماضي، بل مسار نضالي لبعض النخب السياسية التي عملت على ذلك منذ عشريات من الزمن، بعضها مارس المعارضة منذ الاستقلال و بعضها الآخر حاول تغيير النظام من الداخل قبل أن يقتنع باستحالة هذا المشروع . 

الثورة التي نعيشها اليوم تنبأ بها هؤلاء، لأنهم يعرفون الشعب لأنهم منه وتقاسموا النضال معه، كما أنهم يعرفون حركية التاريخ و ديناميكية المجتمعات، أتذكر أنه في سنة 99، و بعد فرض بوتفليقة في الحكم، التقيت مع صديقي الفقيد الصحفي علي باي بودوخة مع الراحل عبد الحميد مهري، و تبادلنا أطراف الحديث عن أصحاب القرار الذين فرضوا بوتفليقة، وقال لنا أشياء كثيرة لا أريد التفصيل فيها في هذا المقال، أكتفي بما قاله لنا وهو يحاول أن يرفع معنوياتنا و يسير قلقنا و خيبة أملنا في فرض هذا الرجل في قصر المرادية: » لا تقلقوا، الجزائر اليوم تعيش وضعا يشبه الوضع الذي سبق ثورة نوفمبر 54 من انهيار للممارسة السياسية و عدم اقتناع المجتمع بها و عدم نجاح هذه الممارسة من تحقيق مطالب الشعب الجزائري، وهو ما يحدث اليوم، لكن لا تقلقوا سيحدث أمر ما و ستتغير الأمور لكن لا يمكنني أن أقول لكم متى و كيف’، و هذا الكلام أعاد تأكيده الراحل حسين آيت أحمد و لكن في شكل رسالة موجهة لأصحاب القرار سنة 2012، داعيا إياهم لبناء توافق سياسي جديد بعد توافق الأمة في نوفمبر 1954، من أجل تغيير منظومة الحكم. 

هاجس بناء جسور التوافق في العشر سنوات الأخيرة على الأقل، شكل انشغالا للثلاثي عبد الحميد مهري و حسين آيت أحمد ومولود حمروش، لكن شبكات الولاء و الاكراه و الفساد كما أسماها حمروش أول أمس كانت دائما تواجهها بحملات إعلامية مدروسة و مخطط لها من مختلف الأجهزة المكلفة بتمويل أو تجفيف المنابع المالية لهذه المنظومة الإعلامية.

في 16فيفري2011، لم يجد الراحل عبد الحميد مهري إلا مقر جبهة القوى الاشتراكية من أجل الإعلان عن الرسالة التي وجهها للرئيس عبد العزيز بوتفليقة من أجل دعوته للتشاور الوطني بهدف تغيير منظومة الحكم، لأن كل الفضاءات كانت مغلقة و تتطلب ترخيصا مسبقا لتنظيمها، و في هذه الرسالة التي كانت مثقلة بالرسائل و المعاني، خاطب مهري ، بوتفليقة و كل العصب و الشبكات التي تتصارع على الفساد و الاستبداد:  » أنت في قمّة الهرم لنظام حكم لست مسؤولا وحدك على إقامة صرحه. فقد شارك في بنائه، برأيه أو عمله أو صمته، كلّ من تولّى قدرًا من المسؤوليات العامة بعد الاستقلال. لكنك اليوم، بحكم موقعك، تتحمّل، ومعك جميع الذين يشاركونك صنع القرار، مسؤولية كبيرة في تمديد فترة هذا الحكم الذي طغت، منذ سنين، سلبياته على إيجابياته، ولم يعد، فوق هذا كله، قادرًا على حل المشاكل الكبرى التي تواجه بلادنا، وهي عديدة ومعقّدة، ولا قادرًا على إعدادها الإعداد الناجع لمواجهة تحدّيات المستقبل، وهي أكثر تعقيدا وخطورة »، هذه الرسالة لقيت تأييدا من قبل الراحل آيت أحمد عبر بيان أرسل للصحافة، في حين واجهتها جزء من الصحافة إما بالتضليل أو بالتشويه أو بالصمت، بينما لم يرد لا عبد العزيز بوتفليقة و لا أي مسؤول في السلطة على هذه الرسالة رغم أنها كانت حاملة لمشروع ورقة طريق لتنظيم مؤتمر وطني ينتهي بإيجاد آليات تمكن الجزائر من تفادي إعادة انتاج المآسي التي عاشتها، أو أن تلقى مصير بعض البلدان العربية. 

في مارس 2012، و في خرجة إعلامية عبر رسالة كانت تشبه رسالة الوداع، خاطب الراحل حسين آيت أحمد إطارات حزبه، و أصحاب القرار في السلطة وهو الذي كان مهموما و حزينا لتدمير ليبيا ولبداية تدهور الأوضاع في اليمن و في سوريا، ليعطيهم درسا في ضرورة التفريق بين الدولة و السلطة، و عرج في هذه الرسالة على معاناة الشعب الجزائري من كا أشكال العنف، ومن ع عنف الاقصاء و عنف التسعينيات و خطابات السلطة و الأجهزة ة الشبكات التي تدور في فلكها، و التي اتهمها بأنها أعادت إنتاج خطابات استعمارية ضد الجزائريين و الجزائريات، داعيا أصحاب القرار إلى الاعتراف بأن العنف فشل اليوم و لا بد من الذهاب للتوافق لبناء الدولة، محذرا السلطة من المواصلة على نفس السياسات قائلا: ‘ قلناها لكم و نعيدها إن سياساتكم قد تؤدي بنا إلى أن نفقد بلدنا’. 

هذه التحذيرات و النصائح لم تلق لا آذان مراكز و شبكات السلطة، و لا اهتمامات الصحافة التي كان الكثير منها مشغولا بنشر الأكاذيب و الاشاعات حول اتصالات يكون قد أجراها مع أصحاب القرار ، بل و نشرت صحيفة من الصحف المرتبطة بالأجهزة، خبرا كاذبا يتحدث عن دخوله الجزائر بشكل سري و لقائه مع بوتفليقة وتوفيق …

في 30 مارس 2014 و في خضم تقاتل شبكات و عصب النظام و تراشقها عبر المنظومة الإعلامية الدعائية، خرج مولود حمروش في ندوة صحفية ووجه بصفة مباشرة رسائل إلى كل من بوتفليقة بصفته رئيسا للجمهورية والفريقين أحمد قايد صالح باعتباره رئيسا لأركان الجيش، ومحمد مدين كمدير لجهاز المخابرات، وحمل الثلاثة مسؤولية التوصل إلى توافق لإحداث التغيير المنشود، و كالعادة عمل الاعلام المرتبط بالشبكات و العصب على شخصنة الأمر للحديث عن الطموحات الرئاسية المفترضة لمولود حمروش، عوض التركيز على الرسالة السياسية المتعلقة بالتوافق لتغيير منظومة الحكم. 

و اليوم و بعد ما يقارب من سبعة أشهر من اندلاع الثورة السلمية لا يظهر أن أصحاب القرار و لا الشبكات و العصب التي تنتظر الاستمرار في تسيير السلطة قد فهمت لا رسائل عبد الحميد مهري و لا تحذيرات و تخوفات حسين أيت أحمد، و لا تحليلات و توضيحات مولود حمروش، و لا ثورة الملايين، و هي تستعد و بنفس الوجوه و الشبكات و العصب لفرض اقتراع قد يعقد الأزمة أكثر و قد يبني جدران الخلافات بين الجزائريين و الجزائريات عوض بناء جسور التوافق و التشاور و التحاور الفعلي ، حتى تتحول الانتخابات لموعد لإطلاق مسار بناء الدولة و حماية الجزائر ككيان سياسي و قانوني و الأمة الجزائرية كماضي عريق و كمستقبل زاهر و مشرق. 

الجزائر في 5 سبتمبر 2019 
تصوير وتحرير رضوان بوجمعة

Article précédent

القايد صالح يقفز على صلاحيات رئيس الدولة ويهدد وقريبا سيلتحق بزملائه بفندق الحراش بفضيحة مدوية

Article suivant

Communiqué ANLC. Il Faut Libérer monsieur Djaoudi Hamza

Aller àTop

Don't Miss

الجزائر الجديدة. طريق التوافق ومأزق « التواطؤ »

الجزائر الجديدة 149 – تحرير وتصوير رضوان بوجمعة طريق التوافق

الجزائر: ماذا بعد شهر من رئاسة عبد المجيد تبون؟

رضوان بوجمعة. 2020-01-13. assafirarabi.com كاتب صحافي وأكاديمي من الجزائر حراكُ