الحراك في ذكراه الخامسة
أيها الثوار لا تعتذروا عن حراككم لبعث بلادكم، ولبسط العدالة في أرضكم، فلا اعتذار للمفسيدين والمنقلبين على نهضة الشعب، فالأحرار يطاردون ويعتقلون ويحاصرون ولا يذلون ولا يهونون وإنهم لغالبون.
يقولون: الثورة مُعلَم قاس، وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن تتعلم فيها ما لا تجده في غيرها…والتغيير قادم لا محالة وسيتحقق على أيدي الشجعان الثائرين، من ذوي الرأي والاتزان والحصافة والتلاحم، لا على أيدي المنكفئين السلبيين بليدي الحسَ، فالإنسان ذو موقف بفطرته، فهو إما أن يعبر عن رأي مناصر للتغيير ومقاوم للطغيان، وإما أن يتبنّى موقفا مساندا للقبح والظّلم، وإما أن ينغلق على أنانيته فحسب.
فالثائر الحرَ -إن صدق نفسه وقضيته- جزء من مجتمع التغيير الناهض. والميزان الأخلاقي الذي في صدره يُجبره على تبني موقف بشأن مصير بلده وتحرير شعبه…وبهذا يغدو الثائر إبان المنعطفات الكبرى واللحظات التاريخية الفارقة متحركا في ساحة وغى وحقل ألغام، ولن يخرج من أي تجربة حراكية تغييرية إلا وقد جرحته سيوف، ونالت منه رماح، وأخذت منه نبال. ولا ضير أن يُنال من الثائر المصلح، فهذه سنة السائرين في طريق الحرية الطويل الوعر، وقد سبقنا إليه عظماء ومصلحون عبَدوا لنا الطريق، طريق طلب الرَشد السياسي.
ولسنا أسرى تجربة بعينها، والحراك حالة يقظة ونهوض، والتحرير طريقه صعب وعرٌ متعرج، والتغيير عملية تراكمية معقدة، سلكنا سبيله بعقل مرن مفتوح، لسنا أول السالكين ولن نكون الآخرين، ومن يأتي بعدنا قد يرى أبعد مما رأينا، لكننا لم نتغيب عن اللحظة التاريخية وإن لم ندركها، ولم يفُتنا شرف التلاحم مع الشعب الثائر والمواكب الهادرة، وعقلنا السياسي اليوم أنضج وأوعى.
ولن نستسلم للانحطاط والظلمات، قد كان الدهر ساكنا في بلادنا، فلا أحداث ولا تغيير ولا أمل ولا حلم. أما اليوم، فإن كل يوم يحمل صراعا وقراعا ولغطا وشغبا وتضحية وخيانة، وكان زمننا قبلُ ساكنا خاملا ميت الروح.
تحملنا العبء وعرفنا الطريق وسنلزمه حتى يأذن الله بتهاوي الأصنام.