صيغة توافقية بين المثاليين والواقعيين: لا نلهث وراء السراب
د سليم بن خدة 18/12/2019
الترويج لفكرة أن بعض سجناء الحراك من الناشطين السياسيين هم الأولى بتمثيل الحراك وقيادته، أمر فيه نظر ولا يستقيم.
أولا، أمر سابق لأوانه في وقت لم يظهر بعد من السلطة الفعلية أي قرينة حقيقية لأي حوار جاد..
وإذا كان السجن أو الظلم معيارا للتأهيل للقيادة، فهناك أسماء تُركت وهي أولى وفوق رؤوس الجميع، وعلى رأسهم الشيخ علي بن حاج المسجون منذ سنوات، وقد صار رمزا للتضحية وظلم النظام لا يختلف فيه عاقلان.
فمسألة التمثيل هذه حسَاسة، وهي ورقة مفضوحة تستعملها السلطة لتفجير الحراك، ومن أراد أن يمثله فلان أو علان من المساجين، فهو حر وله ذلك ولكن لا يلزم الحراك بهذا، فحتى قوائم السجناء متعددة ومختلفة حسب الميول السياسية والإيديولوجية.
الاعتقال ليس تأهيلا ولا طريقا للقيادة والتمثيل، والمساجين الأحرار لم يدَعوا هذا ولا تبنوه في يوم من الأيام، بل سمعنا منهم عكس ذلك تماما..
وثمة تحفظ كبير من داخل الحراك تجاه التمثيل، والنقاش في هذا الموضوع مُحتدم، ونحن على ثقة أن عقل الحراك سيصل إلى صيغة توافقية تضمن وحدة الصفوف بين المثاليين والواقعيين…
والمطلوب النقاش في هذا الموضوع من دون تسرع حتى تتضح الرؤية ويتسنى الظرف، فلم العجلة والاندفاع بلا رويَة، فهل وجدتم إشارة مشجعة من السلطة الفعلية للحوار الجادَ؟ هل تنقصنا المبادرة وقائمة المطالب، أم المعضلة الكبرى في غياب إرادة سياسية لسلطة القرار الفعلي..تفجير الحراك بالحوار، هذا الذي يظهر من يد الحكم الممدودة، فأيَ يد هذه التي تمدونها للحوار وأعين المتظاهرين تُفقأ في بويرة والنساء تُسحل في وهران، دعاوى فارغة باطلة.
الأثر يدلَ على المسير، فهل رأينا ما يدل على إرادة حقيقية للحوار؟ فلم العجلة؟ ولم الاندفاع، وكل المبادرات قوبلت بالتجاهل والاحتقار والإهمال؟
علمتنا التجارب السابقة أن السلطة بارعة في صناعة السراب وتسويق الوهم والمتاجرة به، ولسنا ممَن يشتري الوهم ولا من يلهث وراء السراب، ولو كانت المعضلة تُحلَ بلجنة أو مبادرة لكنَا أول المبادئين، وليس الأمر كذلك.في التدافع السياسي، المطلوب التركيز لا التكاثر، ليست مشكلتنا في مبادرات أو تمثيل أو قائمة مطالب، وإنما معضلة المعضلات في غياب إرادة سياسية حقيقية لدى سلطة القرار الفعلي للتحاور الجادَ…
كل محاولات وتجارب السلطة في ندوات الحوار، من قبل، كانت أقرب إلى حملة علاقات عامة واستعراض ودعاية فارغة وشراء الوقت وتعويم القضايا والاستهلاك المحلي والتمويه الخارجي… النفس الطويل ومنطق الضغط السياسي والشعبي والدفع نحو تنازل تدريجي هذا محور نضالنا اليوم…
وإذا أردت أن تُميع قضية فاصنع لها لجنة حوار…وما يُهدَد الحراك، فعلا، أن تكثر الرؤوس ونغرق في المبادرات ونتيه في جدل التمثيل..مهم جدا إنضاج رؤية لواضحة لما يمكن فعله لا ما يجب فعله، وأن لا نلهث وراء السراب..ولا نرى غير الضغط الشعبي والسياسي، بما هو ممكن ومقدور عليه، طريقا لإرغام السلطة على التحاور الحقيقي الجاد..
وما نحتاجه، حقيقة، اليوم، إسنادا لضغط الشارع وقوة دفعه، أن نتكتل سياسيا، أن تبرز من داخل الحراك قوى سياسية جامعة.. ونعمل، من جانبنا، كما يعمل غيرنا، على تشكيل حركة سياسية مع مجموعة من رُوَاد الحراك وأوفيائه، تضغط بقوة المنطق السياسي والخطاب والمواقف والتلاحم مع الحراك الشعبي، في محاولة لدفع السلطة الفعلية وإرغامها على التنازل والبدء في حوار جاد حقيقي لا مائع ومميع، كما في تجاربها السابقة.