من هو عبد المجيد تبون الذي اصبح رئيسا للجزائر؟
رضوان بوجمعة كاتب صحافي وأكاديمي من الجزائر
من هو عبد المجيد تبون؟ هنا استعادة عن « مرشح السلطة الفعلية » الذي « ينفّذ أجندة عصب وشبكات تريد أن تعيد إنتاج المنظومة، بواجهة جديدة وبحيل قديمة ». وقد نشرت قبيل الانتخابات ضمن حلقتين استعرضتا « بورتريهات » المرشحين للرئاسة الجزائرية. هنا الحلقتان الأولى والثانية.
عبد المجيد تبون مرشح مدعوم من السلطة الفعلية وجزء من شبكات بوتفليقة. احتفل عبد المجيد تبون بعيد ميلاده الـ 74 يوم 17 تشرين الثاني/ نوفمبر، فصادف تاريخ الانطلاق الرسمي للحملة الانتخابية. هو الذي لم يترشح طول حياته لأية انتخابات، وكل مساره انقضى في الوظيفة « العمومية »، من موظف في الإدارة إلى أمين عام في عدة ولايات، إلى والي بأكثر من منطقة، إلى « وزير » ثم « وزير أول ». فهو بذلك يستحق لقب الموظف السياسي بجدارة واستحقاق، على الرغم من أن موظفي الإدارة من المفروض أن يحكمهم واجب التحفظ. لكن الجزائر تصنع الاستثناء، بسبب تحول الإدارة إلى أكبر حزب يصنع نتائج الانتخابات، ثم يتنافس الولاة على تزويرها من أجل الاستوزار، لينتهي الأمر بأقلية قليلة منهم إلى الحلم « بالوزارة الأولى ».
لكن ترشح تبون هذه المرة صنع معجزة أخرى. فهذا الوالي السابق هو الذي تعول عليه السلطة لدخول قصر المرادية.. ما لم يحدث في الجزائر منذ الاستقلال. فهل يمكن لعبد المجيد تبون أن يكتشف وأن يتعلم معنى الانتخابات كمرشح، رغم أنه لم يعش تجربة الترشح في حياته، حتى من أجل أن يرأس قسماً في مدرسة؟ أم أن معرفته الدقيقة بتفاصيل وآليات التزوير الانتخابي تغنيه عن ذلك؟ كيف لا، وهو كان والياً ووزيراً للداخلية، وساهم في تعيين العديد من الولاة ورؤساء الدوائر في مختلف مناطق الوطن منذ تسعينات القرن الماضي؟
عند مطالعة السيرة الذاتية لعبد المجيد تبون على موقعه الرسمي، تكتشف مستوى الانهيار السياسي والأخلاقي الذي وصل إليه النظام السياسي في الجزائر. فهذا النظام الذي بني على مشروع الدولة الوطنية وفرض مشروعه بالعنف والإقصاء، يصل إلى تعريف هوية أحد مرشحيه كالتالي: « ولد بتاريخ 17 نوفمبر 1945 بمشرية (ولاية النعامة)، من أب أمازيغي من بوسمغون، ولاية البيض، وأم من أصل عربي من نواحي رباوت، بولاية البيض »، فما معنى الأصل الأمازيغي والأصل العربي، وهل الترشح لمنصب الرئاسة يقتضي هذا الانحراف الإثني! ثم ألا يعرف تبون أن الانحراف في النقاش نحو الإثنية قد ينتج « هويات قاتلة »؟ المهم، ربما تكون المسألة تسويقية انتخابية غير مدروسة، بعدما غرقت السلطة في خطاب إقصائي أججه ذبابها الإلكتروني المحترف والمتطوع على شبكات التواصل الاجتماعي، تحت تسمية عنصرية مقيتة تسمى « الزواف » (zouaves كانت فئة من أفواج المشاة الخفيفة للجيش الفرنسي، وهناك ادعاء – ليس صحيحاً – بأنهم جميعاً كانوا من المنطقة القبائلية أو الأمازيغ).مقالات ذات صلة
الجزائر: « اقتراعات » الماضي و »انتخابات » المستقبل
كغيره من موظفي السياسة – الكثر- في الجزائر، فعبد المجيد تبون هو خريج « المدرسة الوطنية للإدارة » التي تم تأسيسها وفق النموذج الفرنسي لتأطير الوظيفة العمومية، وهو تخرج ضمن دفعتها الثانية سنة 1969. بدأ تبون من هذه المدرسة تطوير بعض العلاقات مع الشبكات والعصب التي اكتشفت قدراته في أن يكون مطيعاً وموالياً، وأن يكون له مستقبلٌ « زاهر » في منظومة قائمة على التعيين والولاء. وأول تعيين له كان كإداري ومكلف بمهمة، في ولاية بشار غير البعيدة عن الحدود مع المغرب سنة 1969. وهي كانت مهمة جداً من الناحية السياسية والأمنية بعد المشاكل التي تسببت فيها الخلافات مع الجار الغربي للجزائر. وقد كانت « بشار » قبل مشاريع الإصلاح الإداري، تسمى « الساورة »، وتضم كل من بشار وتندوف وأدرار. عُيّن بعدها أميناً عاماً بولاية الجلفة عقب الإصلاح الإداري عام 1974، ليحتل المنصب نفسه في كل من ولاية أدرار سنة 1976 وولاية باتنة سنة 1977، فولاية المسيلة سنة 1982. وفي 1983 عين عبد المجيد تبون والياً في عدة ولايات (محافظات)، ليتمكن بعد ذلك، مثل الكثير من الولاة المرتبطين بالشبكات والعُصب، من المرور إلى مرحلة الاستوزار، حيث فرضه عرّابه الجنرال العربي بلخير في حكومة سيد أحمد غزالي الثانية والثالثة، حيث عين العربي بلخير وزيراً للداخلية، فأوكلت لتبون مهمة وزير منتدب مكلف بالجماعات المحلية. ولم يغادر الحكومة إلا في 19 تموز/يوليو 1992، أي بعد تنصيب علي كافي رئيساً للمجلس الأعلى للدولة عقب اغتيال محمد بوضياف في حزيران/يونيه 1992.
تم تكليف عبد المجيد تبون في مرحلة توليه هذه الحقيبة، بتشكيل شبكة جديدة من الإداريين في الدوائر والولايات والبلديات، فهو الذي سهر على تحضير فكرة إرساء المندوبيات التنفيذية بعد حل المجالس المحلية التي فازت بها « جبهة الإنقاذ » (حظرت بحكم قضائي يوم 5 آذار/ مارس 1992)، كما كان وراء حركة تعيينات واسعة للولاة ورؤساء الدوائر والأمناء العامين، وهو ما مكنه من صناعة شبكة مهمة، جزءٌ منها سيّر عدة محافظات في عهد بوتفليقة.
بعد إقالة حكومة غزالي في نهاية تموز/ يوليو 1992، ومع بداية سنة 1994، وبسبب تقلص نفوذ العربي بلخير، بعد أن أخذت شبكات توفيق مدين ومحمد بشتين بعد مجيء زروال، الكثير من مراكز النفوذ، وبسبب تدهور الوضع الأمني في الشمال، استقر عبد المجيد تبون وأسرته بولاية أدرار، حيث لديه الكثير من المعارف التي بناها مع الزوايا ووجهاء المنطقة عندما كان والياً هناك..
عاد عبد المجيد تبون للاستوزار في عهد بوتفليقة، مع عودة نفوذ العربي بلخير، الذي عرض على أصحاب القرار مخرجاً من استقالة اليمين زروال من رئاسة الجمهورية. فالعربي بلخير هو الذي كان وراء ترشح عبد العزيز بوتفليقة، وهو من أقنع العسكر بترشيحه لقصر المرادية، وهذا ما حدث بالفعل.
أول حقيبة شغلها عبد المجيد تبون في عهد بوتفليقة كانت وزارة الاتصال والثقافة سنة 1999 في حكومة أحمد بن بيتور. ثم بعد استقالة الحكومة التحق عبد المجيد تبون بحكومة بن فليس الأولى، ليكون الذراع الأيمن لوزير الداخلية آنذاك يزيد زرهوني، كوزير منتدب مكلف بالجماعات المحلية، وكان هذا التعيين مهماً في تلك الفترة بالذات، التي عرفت أحداث « الربيع الأسود ».
في حكومة بن فليس الثانية، عُيّن في حقيبة وزارة السكن والعمران إلى غاية 2002 مع مشروع الإسكان الذي أطلقه بوتفليقة كأحد أهم أوراقه الانتخابية.
بعد تفجر الفضيحة المعروفة باسم « قضية الخليفة »، وكان قطاع السكن من القطاعات المعنية بها، فدفع بعبد المجيد تبون الى الظل، بسبب ورود اسمه في سجلات التصفية بوجود آثار لبطاقة بنكية باسمه. كما أن دواوين الترقية والتسيير العقاري التابعة لوصاية وزارة السكن، كانت قد أودعت مليارات الدنانير في بنك الخليفة بأمر من وزارة السكن، وهي الاتهامات التي نفاها عبد المجيد تبون عن نفسه.
المجيد تبون هو المرشح الفعلي للسلطة. وهو يستحق لقب « الموظف السياسي » بجدارة. وبما أن الجزائر تصنع الاستثناء، فقد تحولت « الإدارة » إلى أكبر حزب يصنع الانتخابات ويقرر نتائجها، ثم يتنافس الولاة على تزويرها من أجل الاستوزار، لينتهي الأمر بأقلية قليلة منهم إلى الحلم « بالوزارة الأولى ».
يعود عبد المجيد تبون للحكومة في أيلول/ سبتمبر من سنة 2012، في الوقت الذي تشكلت فيه أوليغارشيا جديدة تابعة للشبكات التي استفادت من فرض بوتفليقة في الحكم سنة 1999. قد بقي في الوزارة خمس سنوات كاملة، رغم أن حكومة عبد المالك سلاّل عرفت خمس تعديلات وزارية. عمل في هذه الفترة على ممارسة التسويق للعهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة بمشاريع السكن، وهي الدعاية التي واصلها بعد اقتراع 2014 بغية تحقيق أمنية بوتفليقة في تدشين المسجد الأعظم بالمحمدية.
نجح تبون في خلافة سلاّل على رأس الحكومة في 24 أيار/ مايو 2017، وهو التعيين الذي أكد أن تبون يلقى ثقة السعيد بوتفليقة – شقيق الرئيس السابق – وجزءاً واسعاً من السلطة بمختلف شبكاتها، ليقال بعد شهرين من ذلك بضغط من جزء من رجال الأعمال بسب خطاب « فصل المال عن السياسة » كما قيل.
وبالإضافة على ذلك، فإن خطاب تبون الذي بنى عليه المظلومية التي يكون قد تعرض إليها بعد إقالته ورفضه خلط المال بالسياسة، ينفيه ما يحدث في إدارة حملته. فرئيس اللجنة الوطنية لمساندة ترشيحه وعضو حملته هو سليمان كروش، وهو رئيس المنظمة الوطنية لأرباب العمل، وكان من أكبر مساندي وممولي حملات بوتفليقة.
لمّا أعلن بوتفليقة ترشحه للانتخابات الرئاسية الملغاة في نيسان/ إبريل الماضي، ترددت الكثير من الأخبار حول احتمال ترشح عبد المجيد تبون للرئاسيات، وهو ما حتم عليه إصدار بيان نفى فيه ذلك مؤكداً وفاءه للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وبعد اندلاع ثورة شباط/ فبراير، لم يتدخل عبد المجيد تبون ولو يوماً واحداً، ولكن تولت الكثير من الدوائر الإعلامية التي استفادت من إكرامياته عندما كان وزيراً للسكن – وفي إطار الدعاية ضد شبكات بوتفليقة- تضليل الرأي العام والدعاية لشخص عبد المجيد تبون، بالقول إنه أول شخص حاول محاربة توغل المال في السياسة ومحاربة المال الفاسد، وهو الخطاب الذي لم يلقَ أي رواج، خاصة وأن الجزائريين والجزائريات اكتشفوا أن المنظومة الإعلامية فاقدةٌ للمصداقية وتابعة لكل عصب السلطة، وهي تحترف التضليل. ومع معارضة الثورة السلمية لفرض اقتراع 12 كانون الأول/ ديسمبر، أعلن تبون ترشحه، وهو يستفيد من دعم كبير من المنظومة الإعلامية، ومن شبكات من الصحافيين والصحافيات.
وفي كل هذه الظروف التي تعرف معارضة شديدة للاقتراع من الجزائريين والجزائريات عبر كل ولايات الجمهورية، فكيف يمكن لتبون إقناع الناس بالاقتراع؟ وهو يعلم أن الكثير منهم يعرفون علاقاته بشبكات العربي بلخير وبوعلام بسايح وعبد العزيز بوتفليقة؟ وكيف يمكن أن يكون شخصاً يعمل على التغيير وهو يصف جزءاً من المعارضة بأنها من « التيار الأجنبي »؟ خطاب تبون يوضح جيداً غياب الحد الأدنى من الفعل السياسي لديه، وهو الذي لم يعرف معنى للنشاط السياسي، ويعوّل على السلطة الفعلية لفرضه في الرئاسة، وعلى الشبكات السياسية والاقتصادية والإعلامية التي اعتمد عليها بوتفليقة.
مرشح السلطة الفعلية
عندما يتكلم عبد المجيد تبون، هذا الموظف السياسي، تشعر أنه متيقن من فرضه في قصر المرادية، وإنْ تم ذلك، فإن تعيينه مؤشر إضافي على إفلاس النظام. وفرضه في قصر المرادية سيغرق السلطة في أزمة أكبر مما هي فيه اليوم، وقد يعرّض الدولة للتفكيك، لأنه ليس سوى موظف ينفذ أجندة عصب وشبكات تريد أن تعيد إنتاج المنظومة، بواجهة جديدة وبحيل قديمة، أصبحت لا تُخفى على أحد، بينما يريد الشعب الجزائري تقرير مصيره لبناء الجزائر الجديدة، وهو ما يعني أنه سيكون رئيساً ضعيفاً أمام السلطة الفعلية، ولا يحظى بالشرعية الدولية المطلوبة، مما يعرض مصالح الجزائر للابتزاز الدولي، وهو لا يملك أية مشروعية شعبية، لذلك سيستيقظ هو مع من فرضه في قصر المرادية يوم 13 كانون الأول/ ديسمبر على الجمعة رقم 43 التي ستقول له أنت غير شرعي لأن الاقتراع قاطعته مناطق بأكملها وشرائح واسعة من المجتمع في كل المحافظات، كما سيكون مرغماً على تسيير يُملى عليه ممن عينه عن طريق اقتراعٍ فُرض بالقوة.
الرسم. ولاء دكاك – سوريا.