عودة السلمية.. الكابوس وطوق النجاة
بقلم نجيب بلحيمر عبر صفحته في فايس بوك 26-02-2021
« رانا ولينا وباصيتو بينا ».. الرسالة واضحة، السلمية عادت وقشة « الاحتفال » التي كانت السلطة وزبائنها يتمسكون بها لعلها تنقذهم من الغرق بطوفان الشارع جرفتها اليوم سيول المتظاهرين في مختلف أنحاء البلاد وفي العاصمة خاصة، ومع القشة غرقت تلك التحليلات الغارقة في التفكير الرغبوي التي تحالف أصحابها مع الوباء لنعي السلمية وإعلان خبر وفاتها، خبر قال الشارع اليوم بأنه كاذب.
في شعار العودة وعي لا تخطئه عين المتابع بأن المتظاهرين يعرفون جيدا بأن السلمية هي الكابوس الذي يؤرق السلطة ويمنعها من فرض خططها، وفي هذه القناعة ما يكفي للرد على من يسوقون « الهزيمة » واليأس ويحقرون الشارع ويسفهون السائرين على دروب الحرية، وهذه القناعة هي سر الثبات على التظاهر رغم التخويف الذي بلغ مداه خلال أشهر الوباء.
العودة هي حكم صريح بفشل كل ما فعلته السلطة منذ 22 فيفري 2019 عندما ألقت بكل ما لديها من أسباب القوة من أجل وقف هذه الحركة التاريخية ومنعها من بلوغ أهدافها، بعد سنتين شهدتا فرض انتخابات رئاسية بالقوة، وتمرير دستور رغم الرفض الشعبي، ثم المناورة بحل برلمان بعد أن نقل أزمة شرعيته إلى مشروع ما يسمى « الجزائر الجديدة »، وكل ما تخلل هذه الفترة من قمع وسجن وتضييق على الحريات، وحرب نفسية من خلال وسائل إعلام اختارت أن تكون صوتا للثورة المضادة وتخندقت ضد مطلب التغيير، بعد سنتين من كل هذا يعيد الشارع السلطة إلى نقطة البداية دون أن يلتفت إلى إبداع المتوهمين بامتلاك الحقيقة الذين يروجون بأن ما يجري هو تصفية حسابات تمهيدا لإعلان قرارات.. نعم السلمية امتحنت الجميع، ولم تعد تمنح أكثر من ساعات لبعض « القراءات » مثل ما سمعناه صباح اليوم من قرار غير معلن بالسماح بالتظاهر والتساهل مع السائرين في الشوارع، لقد كانت قوات الشرطة في العاصمة ومدن أخرى في الموعد لتعلن أن الذين لا يؤمنون بوجود « شعب » في الجزائر لم يستوعبوا شيئا من درس مستمر منذ سنتين وقرر « المعلم » أن يكرره إلى أن يستوعب من يعنيه الأمر الفكرة التي يريد إيصالها.
بالحكمة والصبر واليقين تسلح المتظاهرون، فهم يعرفون جيدا أن الهوامش ضاقت كثيرا أمام النظام، وأن الرسالة عندما تتكرر وتكون واضحة ستنتهي بتحقيق الأثر المطلوب، فالمطالب واضحة وليس هناك من سبيل للتعامل معها إلا الاستجابة.. ليس مطلوبا من السلطة عصا سحرية، ولا أن تحول التراب ذهبا، فالجزائريون يعرفون جيدا أن الوضع صعب وهم يعرضون الانخراط في إنقاذ البلد بالتحمل والصبر وتحمل مسؤولية بناء الدولة، لكنهم هذه المرة لن يفعلوا ذلك بالصمت، ولا بتسليم الأمر إلى من أثبتت التجربة قلة كفاءته وانعدام نزاهته.. لا يطلب الجزائريون من السلطة معجزة، كل ما يريدونه إقرار بالحقيقة وقرار بالتعامل معها بما يجب من الجدية والشجاعة.
هذه السلمية منفذ نجاة، وثبات الجزائريين عليها علامة على قناعة عميقة بأن الوقت لم يفت بعد من أجل اقتناص الفرصة التاريخية، فبدل أن تتحول إلى كابوس يقض مضاجع من يمسكون بالسلطة فإن بوسعها أن تتحول إلى باب للخروج الآمن والتحول إلى المساهمة في إنقاذ البلاد وإشراك جميع أبنائها في العبور الآمن إلى عصر آخر ما زال هذا النظام يقطع الجسر المؤدي إليه.
مصدر الصورة صفحة الموطن براهيم لعلامي