لندن– عربي21- بلال ياسين# الإثنين، 12 أبريل 2021
قالت صحيفة « الغارديان » إن شركة « فيسبوك » سمحت وبشكل متكرر لقادة العالم والسياسيين باستخدام المنصة لخداع الرأي العام والتحرش بالمعارضين لهم رغم ما قدم لها من أدلة عن تجاوزاتهم.
وأضافت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته « عربي21 » أنها اطلعت على توثيق داخلي ضخم يظهر أن الشركة تعاملت مع 30 حالة في 25 دولة تتعلق بالتلاعب السياسي والتي كشف عنها الموظفون في الشركة.
ويظهر التحقيق أن الشركة سمحت بالانتهاكات على المنصة في الدول الصغيرة والفقيرة وغير الغربية لمنح أولوية للتعامل مع التجاوزات التي تثير انتباه الإعلام أو تلك التي تؤثر على الولايات المتحدة والدول الغربية. فمن جهة تحركت الشركة للتعامل مع التلاعب السياسي الذي أثر على الولايات المتحدة وتايوان وكوريا الجنوبية وبولندا، في الوقت الذي تحركت فيه ببطء لمعالجة تجاوزات في أفغانستان والعراق ومنغوليا والمكسيك وبقية دول أمريكا اللاتينية.
وقالت صوفي جانغ الباحثة العلمية التي عملت في الشركة ضمن وحدة النزاهة التي كلفت بمواجهة التصرفات غير الحقيقية: « هناك ضرر كبير حدث على فيسبوك لأنها لم ترد بسبب عدم التعامل معها وأنها تمثل مخاطر كافية في العلاقات العامة على فيسبوك ».
وأضافت أن « الثمن لم تتحمله فيسبوك بل العالم بشكل عام ».
وتعهدت الشركة بمواجهة التلاعب بعد المهزلة التاريخية واستخدام روسيا حسابات غير حقيقية للتأثير على الانتخابات الأمريكية في 2016 لخداع وتقسيم الناخب الأمريكي.
وأشار موظف سابق في فيسبوك إلى الثغرة بأن « المستبدين لا يهتمون بالتخفي ».
وطردت الشركة جانغ في أيلول/ سبتمبر 2020 بذريعة أدائها غير الجيد. وفي آخر يوم عمل لها نشرت مذكرة من 7.800 صفحة وصفت فيها كيف عثرت على محاولات صارخة ومتعددة من الحكومات الوطنية الأجنبية لاستخدام « منصتنا وعلى قاعدة واسعة لتضليل مواطنيها »، وهاجمت الشركة لفشلها في معالجة المشكلة وكتبت في تقرير نشره موقع « بازفيد » في أيلول/ سبتمبر 2020: « أعرف الآن أن يداي ملوثتان بالدم ».
وقررت جانغ الحديث علنا على أمل أن تتعامل الشركة بجدية مع أثر سياستها على بقية العالم. وقالت: « لا يوجد حافز لدى فيسبوك سوى الخوف من تسريب أحدهم وإحداثه قضية كبيرة وهو ما أقوم به الآن ». وأضافت: « كل المشكلة هي أن النشاطات غير الحقيقية لا يمكن العثور عليها ولا تستطيع حلها إلا إذا علمت بوجودها ».
وقالت ليز بورجوا المتحدثة باسم فيسبوك: « نختلف بشكل أساسي مع توصيف جانغ لأولوياتنا وجهودنا لاقتلاع التجاوزات من المنصة ». وأضافت: « قمنا بقوة بملاحقة الانتهاكات حول العالم ولدينا فريق متخصص يركز على العمل. ونتيجة لهذا قمنا بحذف 100 شبكة تقوم بتصرفات غير حقيقية. ونصفها هي شبكات محلية تعمل في دول حول العالم بما فيها أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي منطقة المحيط الهادئ في آسيا. ومواجهة التصرفات غير الحقيقية هي أولوية ».
ويلعب مستخدمو المنصة وعددهم 2.8 مليار حول العالم دورا مهما في الخطاب السياسي لكل دولة لكن اللوغاريتم والملامح للمنصة يمكن التلاعب بها لتشويه النقاش السياسي. وواحدة من الطرق هي خلق « مشاركة » زائفة -مثل التعليقات والمشاركة والتفاعل- باستخدام حسابات مخترقة أو غير صحيحة على فيسبوك. فمن خلال المشاركة الزائفة يمكن تعزيز شعبية زعيم سياسي بشكل يؤثر على المعلومات التي يغذيها لوغاريتم فيسبوك. والنجاح بالتلاعب في اللوغاريتم يترك أثرا بين الوصول للملايين أو الصراخ بالبرية.
ووظفت شركة فيسبوك جانغ عام 2018 للعمل في وحدة لمتابعة والتخلص من المشاركات الزائفة. ولاحظت أن كل هذه المشاركات واضحة في منشورات الأفراد أو رجال الأعمال والماركات التجارية بالإضافة إلى ما تطلق عليه فيسبوك أهدافا « مدنية » أي سياسية. وأكبر مثال على هذا هو رئيس هندوراس خوان أورلاندو هيرنانديز والذي كان يتلقى 80% من المشاركات « السياسية » الزائفة في هذا البلد الصغير بأمريكا الوسطى.
وفي آب/ أغسطس 2018 اكتشفت جانغ أن فريق الرئيس متورط في عمليات تعزيز محتويات صفحته بآلاف من « اللايكات » المزيفة. وكان أحد مديري صفحة هيرنانديز مديرا لمئات الصفحات التي تم إنشاؤها لتشبه صفحته. واستخدم فريقه صفحات وهمية لتوصيل اللايكات الزائفة لمنشورات هيرنانديز، وهو ما يشبه نقل جموع وهمية بالحافلات للاستماع لخطاب رئاسي.
وكان بناء ما أسمته جانغ « انتهاكات الصفحة » ممكنا بسبب الثغرة في سياسات فيسبوك والتي تشترط صدق الحسابات وتمنع المستخدم من أن يكون له أكثر من حساب، لكن لا يوجد لديها سياسة مماثلة متعلقة بالصفحات والتي يمكن استخدامها حسب قدرة الحساب في التعليق والإعجاب.
وظلت الثغرة مفتوحة لعدم وجود سياسة لفرضها وتم استخدامها حاليا من الحزب الحاكم في أذربيجان الذي ترك ملايين التعليقات المؤذية على صفحات وسائل الإعلام المستقلة وتلك التابعة للمعارضين.
وترتبط « انتهاكات الصفحة » بما قامت به وكالة أبحاث الإنترنت الروسية التي قامت أثناء الحملة الرئاسية الأمريكية في 2016 بإنشاء حسابات تزعم أنها تمثل الأمريكيين واستخدمتها للتلاعب بالأفراد والتأثير على النقاش السياسي.
وأطلقت شركة فيسبوك على هذا « سلوك غير حقيقي منسق » وأنشأت وحدة للتحقيق به والتخلص منه. وتعلن شركة فيسبوك كل شهر عن نتائج عمل الفريق والتخلص من الصفحات والحسابات الزائفة. لكن فريق التحقيق الذي يعرف بالتهديد الأمني مع مدراء الشركة قاوموا التحقيق في صفحات هندوراس وأذربيجان، مع وجود أدلة تربط الانتهاكات بالحكومات الوطنية.
وقدمت جانغ نتائج تحقيقها إلى غاي روزين، نائب مدير وحدة النزاهة وكاتي هابراث، المديرة السابقة للسياسة العامة والانتخابات الدولية وسميدي تشاكراباتي، مدير النزاهة المدنية في حينه وديفيد أغرانوفيتش من قيادة ارباك التهديد الدولي.
وكانت الحالات التي تم الكشف عنها مهمة لأن هيرنانديز تم انتخابه مرة ثانية في 2017 في انتخابات نظر إليها بالمزورة وجرت فيها انتهاكات حقوق إنسان. أما أذربيجان فهي دولة ديكتاتورية بدون حرية للتعبير. ولم يرد لا رئيس هندوراس أو الحزب الحاكم في أذربيجان على أسئلة للتعليق. ولم تستجب شركة فيسبوك للتحذيرات وإزالة الصفحات المزورة أو شبكة هندوراس إلا بعد عام و14 شهرا لإزالة شبكة أذربيجان.
وأخبر روزين جانغ بعد شكواها في نيسان/ إبريل 2019: « لدينا مئات أو آلاف أنواع الانتهاكات » و »لهذا السبب علينا البدء من الأعلى » أو الدول ذات الأولوية.
وأخبرت جانغ روزين في كانون الأول/ديسمبر أن فريق التهديد الأمني أبلغها أنه يركز أولا على شبكات السلوك غير الحقيقي المنسق في « الولايات المتحدة وأوروبا الغربية والأعداء مثل روسيا وإيران ». وصادق روزين على الأولوية « هذه أولوية صحيحة ».
وقدمت جانغ سلسلة من التحذيرات إلى فريق التهديد الأمني حول شبكات الحسابات والصفحات المزيفة والتي تستخدم لتشويه الخطاب السياسي في ألبانيا وتونس والعراق وتركيا والمكسيك وإيطاليا والأرجنتين والفلبين وأفغانستان وكوريا الجنوبية وتايوان والهند والسلفادور وجمهورية الدومينيك وإندونيسيا وأوكرانيا وبولندا ومنغوليا. وفشلت الشبكات بالالتزام بالمعيار المتغير لفيسبوك لكي تمنح أولوية من وحدة السلوك غير الحقيقي المنسق، مع أنها انتهكت السياسات ويجب إزالتها. وفي بعض الحالات اكتشفت جانغ أن فيسبوك تحركت بسرعة للتحقيق في حالات بكوريا الجنوبية وتايوان وأوكرانيا وبولندا. في حالات أخرى أخرت الشركة التحقيق، كما في الفلبين بتشرين الأول/ أكتوبر 2019. وفي حالة ألبانيا اكتشف تحقيق الشركة أن التعليقات غير الصحيحة التي نشرت مرتبطة بأفراد لهم علاقة بالحكومة فقررت التخلي عن الحالة. وفي بوليفيا تم تجاهل شبكة من الصفحات والحسابات المزيفة تدعم المرشح الرئاسي في الانتخابات التي تم الخلاف عليها عام 2019 بدون تحقيق. ونفس الحال في تونس ومنغوليا حيث تركت شبكات مماثلة هناك بدون تحقيق، رغم الانتخابات في تونس والأزمة الدستورية في منغوليا.
ووسط التظاهرات في العراق عام 2019، طالب خبراء التسويق للعراق بمنح شبكتين عثرت عليهما جانغ الأولوية. وتمت الموافقة على التحقيق، لكن لم يتم اتخاذ أي تحرك. وفي اليوم الأخير من عملها وجدت أن 1.700 حسابا مزيفا لا تزال ناشطة وتدعم رمزا سياسيا هناك. واكتشفت جانغ أن فيسبوك تتردد بمواجهة الشخصيات القوية وعندما تفعل تتخذ إجراءات لينة.