آخر تحديث: 10/12/2022 www.aljazeera.net/
محمد بودية مناضل جزائري؛ عشق المسرح وتبنى قضايا التحرر في العالم، وقاد عمليات « أيلول الأسود » الفلسطينية في أوروبا، وجند « كارلوس الثعلب » في موسكو لصالح القضية الفلسطينية، واغتاله الموساد في عملية « غضب الرب »، وبعد اغتياله قالت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير « أخيرا مات الرجل ذو الألف وجه ».
المولد والنشأة
ولد محمد بودية في 24 فبراير/شباط 1932 في حي القصبة العتيق وسط الجزائر العاصمة، وفيها تلقى تعليمه الأول وانخرط في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية.
وأخذه بعد ذلك ولعه بالمسرح إلى الالتحاق بالمركز الجهوي للفنون الدرامية، مع بداية الثورة الجزائرية سنة 1954.
وفي سياق التجنيد الإجباري؛ التحق بودية بالخدمة العسكرية في الجزائر العاصمة ثم في ديجون بفرنسا، وفيها تعرف على فرقة مسرحية جزائرية في الضاحية الباريسية.
المسار النضالي
باشر بودية نشاطه السياسي في الحركة الوطنية الجزائرية في فرنسا، قبل أن يصبح مسؤولا عن الخلية الباريسية لجبهة التحرير؛ التي نفذت عمليات فدائية بين سنتي 1957 و1958، ومن أهم تلك العمليات، تفجير أنابيب النفط في مرسيليا بتاريخ 25 أغسطس/آب 1958.
وكانت عملية مرسيليا بمثابة الحادثة التي لفتت انتباه السلطات الفرنسية إلى اسم محمد بودية، باعتباره واحدا من « أخطر المجرمين » وفق تقارير الإدارة الفرنسية.
ثم أُوقف بودية في التاسع من سبتمبر/أيلول 1958 من طرف الشرطة الفرنسية وحكم عليه بـ20 سنة سجنا مع الأشغال الشاقة، لكنه تمكن من الهرب في العاشر من سبتمبر/أيلول 1961، قبل أشهر من استقلال بلاده.
وعين بعد الاستقلال مديرا للمسرح الوطني سنة 1963 بطلب منه، في عهد الرئيس الأسبق أحمد بن بلّة؛ الذي كانت تربطه به علاقة طيبة.
كان بودية صديقا أيضا للمناضل الكوبي فيدل كاسترو، ونظم دورات وزيارات لفنانين من المسرح الكوبي إلى الجزائر، كما قرر تخصيص مداخيل الموسم الصيفي للمسرح الجزائري عام 1964 لدعم كفاح الشعب الفلسطيني.
وتسببت له علاقته الوطيدة بالرئيس بن بلة في عداء مباشر مع العقيد هواري بومدين، الذي انقلب على بن بلة في يونيو/حزيران 1965.
وفي 29 يونيو/حزيران 1970 حُكم عليه غيابيا بتهمة « تكوين مجموعة من المجرمين ومحاولة اغتيال »، لكن بودية كان قد غادر الجزائر منذ 16 يوليو/تموز 1967.
علاقته بالقضية الفلسطينية
ساهم الفكر التحرري والنضالي لمحمد بودية في ربط علاقات كبيرة ومتشعبة مع شخصيات بارزة في مختلف بلدان العالم، سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط أو حتى في أميركا اللاتينية.
وكان يحظى في كوبا بسمعة كبيرة بين رفاق كاسترو، وفيها كان لقاؤه مع الدكتور وديع حداد، الملقب بـ »أبو هاني »، المسؤول العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
خرج بودية من هذا اللقاء بقناعة المساهمة بخبرته الميدانية في النضال من أجل القضية الفلسطينية، كما خرج باسم حركي سيرافقه في تحركاته القادمة، وهو اسم « أبو ضياء ».
وبكنيته الجديدة التحق « أبو ضياء » بجامعة باتريس لومومبا في موسكو، لتعزيز خبراته الإستراتيجية والعسكرية، وهناك كان له لقاء آخر بواحد من أبرز الأسماء في قائمة « الرجال الذين خدموا القضية الفلسطينية ».
وتؤكد سجلات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن بودية قام في موسكو بتجنيد شاب فنزويلي متحمس للنضال ضد الإمبريالية في العالم، اسمه « إيليتش سانشيز راميريز »، وشهرته العالمية « كارلوس »، وهو مدبر عملية اختطاف وزراء منظمة أوبك في ديسمبر/كانون الأول عام 1975، في فيينا من أجل دعم القضية الفلسطينية.
وقام كارلوس بتحويل الوزراء إلى المطار، ومن ثم حملهم على طائرة نحو الجزائر، وبعد مفاوضات مضنية تم الاتفاق على إطلاق سراح الرهائن مقابل 50 مليون دولار، في عملية تاريخية، أطلق عليها كارلوس اسم « الشهيد محمد بودية ».
وكان بودية المدبر الرئيسي لجميع عمليات الجبهة الشعبية في أوروبا في مطلع السبعينات، كما ذكرت تقارير المخابرات الفرنسية والبريطانية والأميركية والموساد، ورغم ذلك لم يثبت أي دليل ضده، خصوصا مع ظهوره الدائم بثوب المسرحي الحاضر في باريس.
وأثناء تنقلاته بين فيينا وجنيف، اختار أسماء مستعارة كثيرة منها: بوايي وموريس وأندريس وبيرتان وروبيرت ورودريغ وروجي وسعيد بن أحمد.
واستعمل اسم « أبو خليل » خلال زيارته المتكررة إلى معسكرات تدريب الثوار الفلسطينيين بالضفة الغربية مع بداية السبعينيات.
عملياته
- التخطيط لإرسال 3 ألمانيات شرقيات إلى القدس لتفجير عدة أهداف إسرائيلية.
- تفجير مركز « شونو » بالنمسا؛ الخاص بتجميع يهود الاتحاد السوفياتي المهاجرين إلى إسرائيل.
- تفجير مخازن إسرائيلية ومصفاة بترول في روتردام بهولندا.
- عملية اختطاف طائرة إسرائيلية في مطار اللّد (بن غوريون) غربي القدس، في الثامن من مايو/أيار 1972.
- عملية خلية الجيش الأحمر اليابانية ضد طائرات إسرائيلية في مطار « اللد ».
- تفجير خط أنبوب بترولي بين إيطاليا والنمسا في الخامس من أغسطس/آب 1972.
- مشاركته في عملية ميونخ أثناء الأولمبياد عام 1972، باستضافة أفراد الكوماندوز الفلسطيني قبل العملية ثم قام بتهريبهم وإخفائهم.
اغتياله
بعد عملية أولمبياد ميونخ أطلقت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير وبإشراف من الموساد؛ عملية « غضب الرب »، والتي تضمنت لائحة « إكس 12″، التي تقضي بتصفية 12 اسما من القيادات الفلسطينية في جميع أنحاء العالم.
وكان بينهم وديع حداد وأبو حسن سلامة ووائل زعيتر وباسل الكبيسي ومحمود الهمشري، وجاء اسم محمد بودية في القائمة باسم « الرجل ذو الألف وجه ».
وفي صباح 28 يونيو/حزيران 1973، قُتل محمد بودية بعملية مدبرة من فرقة الإعدام الإسرائيلية وبمشاركة من جهات أمنية فرنسية أمام المركز الجامعي لشارع فوس برنار في باريس، حيث كان يركن سيارته « رونو 16 » التي تم تفخيخها.
وتولى القاضي الفرنسي جون باسكال التحقيق في الحادثة، ولم يتوصل إلى أي نتيجة، وسمح الرئيس هواري بومدين بدفن جثمان المغدور في مقبرة القطار بالجزائر العاصمة.
وذكرت تقارير إسرائيلية بعد 12 سنة من حادثة مقتل بودية أن الضابطة سيلفيا رافائيل كانت قائدة فريق الاغتيال، وهي « الجاسوسة رقم 01″، وقتلت -وفق التقارير- عام 1985 برصاص أحد رجال منظمة التحرير الفلسطينية، عندما كانت مع اثنين من عملاء الموساد الآخرين على متن يخت في لارنكا القبرصية.
لكن تحقيقات أثبتت أن الجاسوسة سيلفيا أكملت حياتها في جنوب أفريقيا مع زوجها المحامي النرويجي أنيوسش جودت؛ المدعي العام السابق في المحكمة العليا في أوسلو، حتى وفاتها عام 2005، ودفنها في مقبرة الكيبوتس الإسرائيلي بالقرب من بلدة قلقيلية الفلسطينية (في الضفة الغربية).
وكتب رئيس ديوان رابين سابقا في جريدة يديعوت أحرونوت في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2005 « كان محمد بودية إرهابيا حقيقيا ».
المصدر : مواقع إلكترونية