بقلم الهواري عدي 04/12/2019
الديكتاتورية العسكرية، نظام تُمارَسُ فيه السلطة باسم الجيش، والذي -كما في حالة أمريكا اللاتينية- يقوم بالدفاع عن امتيازات طبقة اجتماعية معينة، وهو على مستوى الحكومة، يمتاز بإدارة ضباط ساميين، يرتدون الزي العسكري، لأهم الوزارات. أما بخصوص حالة الجزائر، فنحن بصدد نظام حكم تسلطي وليس دكتاتورية عسكرية على النحو الذي عرفنا به هذه الأخيرة أعلاه.
عشية الاستقلال، قامت القيادة العسكرية بمصادرة السلطة باسم الشعب، مؤكدة على أنها سليلة جبهة التحرير الوطني التاريخية وأنها مكلفة بتحقيق برنامجها. تخلى العقيد هواري بومدين بعد أن صار وزيرا للدفاع ثم رئيسا للحكومة عن الزي العسكري وأصبح بمقدوره ادعاء أنه مناضل في جبهة التحرير. كما أن السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعها (تأميم المحروقات، التصنيع، الاصلاح الزراعي، الطب المجاني …الخ) وفرت له دعم شريحة عريضة من الشعب. غير أن سنوات قليلة بعد ذلك كانت كفيلة بكشف عدم قدرة هذا المشروع على الوفاء بوعوده، حيث صار البلد عرضة لصعوبات مالية جمّة، أما المجتمع فوقع ضحية للتفقير. بعد الاصلاح الدستوري الذي جاء تبعا لمظاهرات أكتوبر 1988، كان من المتوقع نظريا ولادة نظام حكم جديد، ولقد ترتب على هذا انسحاب الضباط السامين من اللجنة المركزية لجبهة التحرير. لكنه رغم كل هذا، أصرت القيادة العسكرية على كونها هي مصدر السلطة عوض الناخبين، ولم تتراجع عن ذلك. وبدعوى إنقاذ الأمة (ضد جمهور الناخبين؟) قامت نفس هذه القيادة العسكرية في جانفي 1992 بإلغاء نتائج الانتخابات التشريعية.
المفارقة مع هذا النظام هو أنه يدّعي الحديث باسم الشعب ضد الشعب. وكل خطابات القايد صالح منذ مارس 2019 تعيد أسبوعيا إنتاج هذه المفارقة.
لا يتوفر هذا النظام على التماسك الذي يميز الديكتاتورية العسكرية، حيث يقوم الجيش باعتقال المعارضين وقمع المتظاهرين. القايد صالح، وقصد ضمان ولاء القضاة، لم يقم بإعدام أيّ منهم، كما هو الحال في الديكتاتوريات العسكرية؛ لكنه في المقابل، قرر رشوتهم برفع أجورهم مستعملا ميزانية الدولة لهذا الغرض. يحدث كل هذا في الوقت الذي يقوم فيه القضاة -نظريا- بإعلان أحكامهم باسم الشعب. إذا ما احتكم غدا هؤلاء القضاة لضمائرهم وأعلنوا رفضهم إدانة المتظاهرين ظلما، فسيتوقف رجال الشرطة عن عمليات القبض على المواطنين، وسيكون القائد صالح مجبرا على المغادرة وترك قيادة الأركان تفاوض الحراك على انتقال سلمي.
ما يحدث في الجزائر هو أن القيادة العسكرية تستعمل القضاء والشرطة كأدوات للقمع. أي أنها وبعبارة أخرى، تُخضع مؤسسات الدولة لإرادتها هي، كي تتمكن من فرض نفسها كمصدر للسلطة. في غياب الشرطة والقضاء، لن يكون لقيادة الأركان أي وسيلة للوجود سياسيا. هذا بالضبط ما فهمه المتظاهرون، الذين يهتفون كل جمعة: « les généraux à la poubelle والجزاير تدّي الاستقلال ». إنهم يريدون قول أن مختلف مؤسسات الدولة (الرئاسة، المجلس الوطني، الوزارات، القضاء، الشرطة) واقعة تحت احتلال القيادة العسكرية، التي تحتكر تعيين المدنيين على رأس كل واحدة من هذه المؤسسات، وأن الدولة غير مستقلة.
في مقابل الحراك الذي أبدى نضجا سياسيا واضحا، يوجد نظام الحكم في حالة ضعف، لأنه يقوم على أُخيولة لم يعد يصدقها أحد. الجزائر ليست ديكتاتورية عسكرية؛ هي نظام حكم شعبوي متسلط، استنفذ ديناميكيته السياسية وفقد كل جدواه التاريخية. هذا النظام مثله مثل ثمرة ناضجة، تفضّل التعفن على أن تسقط على الأرض.