septembre 13, 2019
19 mins read

الجزائر. الدعاية والكراهية لإسكات الحقيقة

الدعاية والكراهية لإسكات الحقيقة
بقلم نجيب بلحيمر
12 سبتمبر 2019

كان يوما مروعا، لا يشبه في شيء الحادي عشر من سبتمبر 2001 الذي غير وجه العالم بعد تلك الهجمات على نيويورك وواشنطن، لكنه كان حادي عشر سبتمبر جزائري، حيث القصف بالخطب، وبالحرب الدعائية والنفسية التي تقودها وسائل الإعلام العمومية والخاصة من أجل تمرير الانتخابات الرئاسية بكل الوسائل، لأن الانتخابات صارت هدفا مقدسا باعتبارها الوسيلة الوحيدة لكسر الثورة السلمية وإجهاض المشروع الوطني الذي تحمله.

عندما كان رئيس أركان الجيش يخطب من مقر قيادة الناحية العسكرية الخامسة بقسنطينة، كانت صحافية التلفزيون، التي لن نرى وجهها أبدا، تنقل لنا رأي « مواطن » فيما يجب أن يفعله الجزائريون، كان المتحدث مثل كل المتدخلين في التلفزيون العمومي مقتنعا بأمرين اثنين الأول هو أنه لا بد من الذهاب إلى الانتخابات، والثاني هو أن رئيس الأركان هو وحده من يملك الحقيقة ويسعى إلى خدمة الوطن، لكن هذه المرة دفع المتحدث، الذي كان يتحدث مبتسما، الأمور إلى أبعد من هذا، لقد قال إن من يرفضون الانتخابات هم « زواف »، ولم يجد التلفزيون العمومي أي حرج في بث التصريح في نشرات أخبار رئيسة يفترض أن عدد متابيعها كبير.

لا مجال للخطأ هنا، فمنذ وقت غير قصير تم غلق التلفزيون العمومي أمام أي رأي مخالف، وتم اللجوء إلى طرق بدائية في انتقاء المتدخلين، وبثت تصريحات لأشخاص يغيرون ملابسهم ليتم تقديمهم بصفات مختلفة، فهم مواطنون حينا، وممثلون للمجتمع المدني حينا آخر، وظهر منهم من كان مرشحا مفترضا وهزليا لانتخابات 19 أفريل التي أطاحت بها الثورة السلمية، كان هؤلاء المترشحون قد تم إعدادهم لدور محدد بدقة وهو تسفيه كل من يفكر في منافسة بوتفليقة، وإغراق الساحة بمهرجين تسابقت وسائل الإعلام على تقديمهم كتذكير للمشاهدين بالنعمة التي يمثلها بقاء بوتفليقة في الحكم رغم المرض والعجز.

منذ أشهر اختار التلفزيون العمومي العودة إلى هذه الأساليب البدائية دون الاكتراث بحقيقة الزمن الذي نعيش فيه حيث تتولى التكنولوجيا كسر كل رقابة، وتقدم لكل باحث عن الحقيقة أدلة دامغة على التدليس، وهو ما حدث فعلا عندما فضح مدونون التلفزيون وممارساته، لكن رحلة الهبوط نحو الجحيم لم تتوقف، فقد تجرأت الإذاعة الوطنية على الكذب عبر موقعها على الانترنيت عندما قالت إن المتظاهرين خرجوا يوم الجمعة للمطالبة بالإسراع في تنظيم الانتخابات، وهو أمر كذبته تغطيات القناة الثالثة وجيل أف أم التي تنتمي إلى نفس المؤسسة الإعلامية.

في ظل هذا الانحراف كان متوقعا أن تنتقل الكراهية والدعاية التي تمارس عبر فيسبوك من خلال صفحات وحسابات يجهل من يسيرونها، إلى وسائل الإعلام العمومية، وهكذا بدأ التطبيع مع هذا الخطاب الفاشي من خلال تمرير تصريح ذلك « المواطن » الذي يصف من يعارض إجراء الانتخابات في الظروف الحالية، بأنهم « زواف »، والكلمة تمت استعارتها من سياق تاريخي معروف ليتم تعميمها على منطقة القبائل تحديدا، وهي اليوم تعني في نظر أغلبية المتلقين المنحدرين من منطقة القبائل وكل من يعارض خارطة طريق السلطة، وبصرف النظر عن بعض المراوغات التي يلجأ إليها من يستعملون هذه المفردة فإن الرسالة التي يريدون إيصالها هي رمي منطقة القبائل برمتها بالعمالة لفرنسا، والغريب أن قيادة الجيش لم تنتبه إلى خطر هذا الخطاب العنصري وسكتت على من يتبنونه وفي نفس الوقت يرفعون لواء الدفاع عن المؤسسة العسكرية وخياراتها السياسية.

لقد تسلل خطاب الكراهية والتفرقة الذي انتشر على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي إلى الرسالة الإعلامية للتلفزيون، ولو يسكت الجزائريون على هذا الانحراف، فإن هذا الخطاب الذي ينقل اليوم على لسان « مواطن » بسيط، سيجري غدا على ألسنة « المحللين » و »الخبراء » الذين يحتكرون التدخل في برامج القنوات العمومية والخاصة، ومنهم كثير من مروجي الكراهية والعنصرية عبر صفحاتهم وفي مجالسهم الخاصة، وهم يعتقدون انهم يقدمون خدمة لرئيس الأركان وقيادة الجيش بعد أن أصبح الخطاب الرسمي مثقلا بالإيحاء أن المعارضة صارت محصورة في منطقة واحدة من الجزائر دون غيرها، وليس من الصعب العثور على شذرات مما ينشر على فيسبوك في خطابات رئيس الأركان وافتتاحيات مجلة الجيش.

في خطابه الأخير قال الفريق أحمد قايد صالح مهاجما معارضي خطته الذين وصفهم بالشرذمة الضالة بأنها: »تريد أن تفرض رؤيتها المنحرفة على أغلبية الشعب الجزائري، من خلال توظيف فروعها الإعلامية داخل وخارج الوطن وتجنيد بعض الأبواق المأجورة التي تنعق من خلال وسائل التواصل الاجتماعي »، ويوحي هذا الكلام بأن وسائل الإعلام في الجزائر مفتوحة أمام الرأي المختلف والحقيقة عكس ذلك تماما، فمنذ شهر ماي الماضي تلقت القنوات التلفزيونية الخاصة أوامر صريحة بعدم تغطية المظاهرات، وتكفي متابعة ما تبثه هذه القنوات في أيام الجمعة والثلاثاء للتأكد من الأمر، كما يتم اختيار نفس الوجوه المساندة لخيارات السلطة الفعلية للمشاركة في البرامج السياسية لهذه القنوات، ولا يخلو النقاش من تسفيه للمتظاهرين، وتخوين للمعارضين، فضلا عن التعتيم بشكل كامل على ما يجري على أرض الواقع.

قد يكون قايد صالح بحاجة إلى من يذكره بأن الإعلام الذي يكيل المديح له اليوم هو الإعلام الذي استمات في الدفاع عن بوتفليقة وسوق لمشروع الخامسة، والأرجح انه ليس بحاجة إلى من يخبره بأن القنوات الخاصة نشأت بفكرة من العقيد فوزي الذي كان مسؤول مديرية الإعلام بجهاز المخابرات في عهد الجنرال توفيق، وأن الهدف منها كان تحييد قناة المغاربية تحديدا بعد أن بدأت أحداث الربيع العربي تخيف النظام الجزائري، ولعل الخطة نجحت في السنوات الماضية، لكن هذه الأدوات الدعائية استهلكت مصداقيتها في سنوات حكم بوتفليقة، وكل من سيحاول اليوم الاعتماد عليها سيعرض مصداقيته لامتحان عسير.

لقد تم تعطيل القانون المتعلق بالسمعي البصري، والذي صدر في الجريدة الرسمية يوم 27 مارس 2014، وألغي المرسوم المتضمن دفتر الشروط الخاص بإنشاء قنوات السمعي البصري والذي صدر في جويلية 2016، من أجل أن تبقى هذه الوسائل أدوات في يد السلطة القائمة تستعملها من أجل فرض رؤيتها وتمرير خياراتها، لكن النتيجة كانت ذلك الشعار الذي يرفعه المتظاهرون في مختلف مدن البلاد « المغاربية قناة الشعب »، ليس انتصارا لمشروع إعلامي لا يعرفون تفاصيله، ولكن تأكيدا على أن الجزائريين لم يعد لهم من منبر ينقل صوتهم غير هذا الذي ينقل في بث مباشر ما يجري على الأرض، وتأتي ممارسات التلفزيون العمومي، وتسويقه لخطاب الكراهية المنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليؤكد للجزائريين بأنهم محاصرون من كل جانب، ومن يحاصرهم يريد إسكات صوتهم تماما كما يفعل بمن يعتقلهم بالقوة في المظاهرات، أو على حين غفلة من الناس عندما يأتي رجال أمن بزي مدني لأخذهم إلى وجهة مجهولة.

من سوء حظ السلطة أنها صارت بلا صوت عندما أصرت على تلطيخ سمعة القنوات العمومية والخاصة، ولن تنفعها الشتائم التي يحفل بها الخطاب الرسمي في ضرب مصداقية وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت صوت الشعب الذي يراد إسكاته لتمرير انتخابات هدفها بعث الروح في نظام ميت.

Article précédent

إعتداء بالسلاح الأبيض على الحقوقي صالح دبوز

Article suivant

الجزائر: « اقتراعات » الماضي و »انتخابات » المستقبل

Latest from Blog

منظمة حقوقية تدين سجن ناشطة في الجزائر بتهمة الإرهاب بسبب أغنية

أعربت منظمة « شعاع » لحقوق الإنسان عن استيائها لإقدام السلطات الأمنية في الجزائر على اعتقال الناشطة الجزائرية جميلة بن طويس وما تعرضت له من تهم رأت المنظمة أنها « كيدية » من قبل السلطات على خلفية ممارستها لحقها في

« اليمين التكنلوجي »…كيف أصبح « وادي السيليكون » متطرفًا

« اليمين التكنلوجي »…كيف أصبح « وادي السيليكون » متطرفًا .تحليل موقع « ميديا بارت » الاستقصائي الفرنسي عبر صفحة الكاتب والصحافي خالد حسن: مدير تحرير صحيفة الأمة الإلكترونية إيلون موسك وبيتر ثيل، على رأسهم، يجمع اليمين التكنولوجي

BENHALIMA M. AZZOUZ, TORTURÉ EN DÉTENTION

ANCIEN OFFICIER MILITAIRE ALGÉRIEN, BENHALIMA M. AZZOUZ, TORTURÉ EN DÉTENTION, ALKARAMA APPEL URGENT AU RAPPORTEUR SPÉCIAL DE L’ONU SUR LA TORTURE Source : https://www.alkarama.org/en/articles/former-algerian-military-officer-benhalima-m-azzouz-tortured-detention-alkarama-urgently Le 12 mars 2024, Alkarama s’est adressée en
Aller àTop

Don't Miss