mai 20, 2019
16 mins read

استرجاع 60 مليار دولار المهرّبة مرهون بالإرادة السياسية

20 مايو 2019  شريفة عابد

قدر الأمين العام للجمعية الوطنية لمكافحة الفساد، حليم فدال، عدد قضايا الفساد المتقادمة قانونيا منذ سنة 2010 إلى غاية استقالة الرئيس بوتفليقة بـ6 آلاف قضية فساد، مشيرا إلى أن «الإرادة السياسية، وحدها ما ستمكن من استرجاع أكثر من 60 مليار دولار، التي هربت نحو العواصم الغربية والجنات الضريبية»، وذلك، حسبه، بسبب عدم جدوى المنظومة القانونية للوقاية من الفساد وعدم تكيّفها مع الإطار الدولي خلال فترة حكم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة. ولفت في هذا الإطار إلى تحفظ الجزائر على التوقيع على المواد الردعية التي تحيل «الرؤوس الكبيرة» التي هربت الأموال على القضاء الدولي، فضلا عن عدم توقيعها على اتفاقية التعاون والتنمية الاقتصادية وكذا تواطؤ بعض العواصم الغربية «كالقضاء الفرنسي، الذي يتستر على قضايا الفساد عندما تتعارض مع المصلحة الاقتصادية لبلده».

وأوضح الأمين العام للجمعية الوطنية لمكافحة الفساد، في حديث مع «المساء»، أن قيام الجزائر على توقيع على بعض الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الفساد، لم يكن صمام أمان لمنع تهريب الأموال والوقاية من الفساد، بسبب ما وصفه بفساد الإرادة السياسية سابقا وعدم وجود نية حقيقية للحد من هذه الظاهرة.

وذكر محدثنا بأن الجزائر وقعت مثلا، على الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، بميريدا المكسيكية، والتي تنصّ بعض بنودها على استرجاع الأموال المهربة بطرق غير شرعية إلى خارج الوطن، بواسطة التعاون الدولي. كما وقعت على اتفاقيات أخرى خاصة بمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال بباليرمو الايطالية، إلا أنه اعتبر الإشكالية القائمة، تكمن في تحفظ الحكومة الجزائرية خلال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، على المادة 66 مكرر من الاتفاقية الدولية الخاصة بالوقاية من الفساد والتي تمكن من إحالة المتورطين في قضايا تهريب الأموال على التقاضي الدولي.

كما أثار المتحدث إشكالية أخرى ترتبط بعدم وجود مؤسسة بهيئة الأمم المتحدة تسمح بمرافقة تطبيق الاتفاقية الأممية، «فضلا عن وجود مواد ملزمة في الاتفاقية وأخرى غير ملزمة. وهو ما يترتب عنه آليا عدم متابعة جميع المتورطين».

المنظومة القانونية تخضع لإرادات سياسية

وأضاف رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد أن المنظومة الخاصة بالوقاية من الفساد بصفة عامة ظلت في الجزائر خاضعة للإرادة السياسية، ولهذا تم تكييفها بشكل يوفر الحماية للفاسدين، حيث تم التخلي، حسبه، عن قوانين ناجعة «كالنصوص الخاصة التي يتم من خلالها تكييف الجريمة الخاصة بالفساد، حسب حجم الضرر الذي يمس المال العام، وهو ما يجعل القاضي يصنفها ما بين جنحة وجناية». كما أشار السيد فدال في نفس الصدد إلى أن «فترة التقادم كانت تتراوح بين 3 و10 سنوات، حسب كل قضية فساد وحجم الأموال المنهوبة، ما كان يسمح بالردع، غير أنه في فترة حكم الرئيس بوتفليقة تم التخلي عن هذا الإجراء في قانون العقوبات وتعويضه بالقانون رقم 01/06 الخاص بمكافحة الفساد، الصادر سنة 2006، وهو ما أعاد إدراج قضايا الفساد في خانة الجنح بدلا من الجنايات وجعل الكثير منها تتقادم بعد مرور 3 سنوات فقط.. ما ساهم في انتشار الفساد من دون عقاب».

وقدر المتحدث أن من بين أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار الفساد، غياب الإرادة السياسية وانتشار سياسة اللاعقاب وغياب النصوص التطبيقية للقانون 01/06 الخاص بمكافحة الفساد، مضيفا في نفس الصدد أنه «حتى قانون الإجراءات الجزائية لم يتغير كثيرا، بالشكل الذي يوفّر الحماية للمبلغين عن الفساد، فضلا عن عدم تمتع كل من الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد والديوان الوطني لقمع الفساد بأي استقلالية، حيث ظلت الهيئتان تابعتين للسلطة التنفيذية ولهذا لم تقوما بدورهما بالشكل المطلوب».

6 آلاف قضية تقادمت منذ 2010

وفي رده على عدد قضايا الفساد المتقادمة، قال فدال إن التقديرات الرسمية، تشير إلى أن عدد قضايا الفساد بمختلف أنواعه قدرت منذ سنة 2010 إلى غاية اليوم بـ6 آلاف قضية تقادمت، مضيفا في هذا الخصوص بأن «المتورطين في هذه القضايا من الذين نهبوا المال العام، لم يتمكن القضاء من محاسبتهم بشكل ناجع». واستشهد بقضية معهد باستور التي نهبت فيها أموال طائلة، «لكن القضية سقطت بالتقادم، مثلها مثل قضايا أخرى..».

وعن الغطاء السياسي الذي استعمل في تهريب الأموال للخارج، فيتمثل بالدرجة الأولى، حسب محدثنا، في تشجيع الاستثمار بالخارج، حيث ذكر بوضع قانون لتأطير هذا المجال في سنة 2016، فضلا عن صيغ أخرى ملتوية..

ولم يتوان محدثنا في هذا الخصوص في تحميل المسؤولية لمحافظ بنك الجزائر السابق محمد لوكال، بلعب دور بارز في هذه العملية، «حيث وقع على عدة نصوص تنظيمية سنة 2018، مكنت من تهريب الأموال نحو وجهات مختلفة من العالم».

ويقترح رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد، دفع السلطات وإلزامها بالتوقيع على اتفاقية التعاون والتنمية الاقتصادية، كونها الإطار الذي يسمح للدول الموقعة من تتبع حركية الأموال وحجز العقارات، معتبرا التوقيع على هذه الاتفاقية يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية لمنع تكرار حالات النهب الذي شهدته الجزائر طيلة عقود من الزمن.

القضاء الفرنسي يراعي مصالح بلده في تناوله لقضايا تهريب الأموال

أما بالنسبة لدرجة التعاون بين الدول المعنية بجرائم تهريب الأموال، فأكد فدال أن الكثير منها تتعامل بانتقائية كبيرة مع ملفات الفساد. وخصّ بالذكر القضاء الفرنسي، الذي قال إنه «لا يتعاون في مثل هذه القضايا لأن هناك علاقات خاصة بين الجزائر وفرنسا».

وتابع محدثنا يقول إن «القضاء الفرنسي اعتاد على تكييف موقفه في حالات تهريب الأموال وفق مصالح بلده، خاصة عندما يتعلق الأمر بمستعمراته القديمة، حيث لا يتحرك بناء على التقارير التي ترفعها له الوكالة الفرنسية لمكافحة الفساد والتي تتلقى بلاغات أو تمارس مهامها الخاصة بالكشف عنه..».

وحسب فدال، فإن باريس ليست البلد الوحيد الذي يتستر على قضايا الفساد، بل هذا التستر تتبناه عدة دول، تتعامل هي الأخرى مع قضايا الفساد وقضايا تهريب وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب بشكل يوافق مصالحها.

Article précédent

لماذا جزء كبير من مصيرنا جميعا مرتبط بنجاح الثورة السلمية الديمقراطية في الجزائر؟

Article suivant

رسم .. وضعية الإنتخاب خذ – الطاهر جحيش

Latest from Blog

Aller àTop

Don't Miss