سارة جقريف – الجزائر – الجزيرة 10-06-2019
يستهوي البناء بالطين الكثير من الشباب والطلاب الجزائريين المهتمين بحفظ التراث المعماري القديم في المدن والقرى التي يسكنونها، لا سيما طلاب الهندسة المعمارية والآثار.
وتستقطب الدورات التدريبية والورشات التكوينية -التي ينظمها أحيانا الأساتذة والمهندسون، وأحيانا أخرى المراكز المختصة، مثل المركز الجزائري للتراث الثقافي المبني بالطين والمؤسسات الثقافية مثل مديرية الثقافة لمدينة باتنة- العديد من الشباب والطلاب من مختلف مناطق الجزائر الراغبين في تعلم تقنيات البناء بالطين، والطوب اللبن، والتربة المضغوطة، والتلبيس بالطين وغيرها.
بنايات صديقة للبيئة
يعود اهتمام الشباب ببنايات الطوب، وهذا النوع من المعمار، إلى تمسكهم بتراث آبائهم الثقافي من جهة، وبحثهم عن تطويره وإنشاء بنايات صديقة للبيئة.
وحول هذا الأمر يقول نسيم شريف -مهندس معماري شارك في العديد من الدورات التدريبية حول البناء بالطين- في حديث للجزيرة نت « بصفتي مهندسا معماريا يبحث عن إعادة بعث هذا النمط من البناء بطريقة جديدة، وخلق بيت صديق للبيئة قابل « للرسكلة » (لإعادة التدوير) بإمكانيات صغيرة، شاركت في تكوين (تدريب) بالمركز الوطني للبناء بالطين الواقع بمنطقة تيميمون (جنوب الجزائر)، وشاركت أيضا في دورة أمدوكال مع طلاب من مختلف مناطق الوطن يجمعهم الحماس والشغف ».
ويضيف « اهتمامنا بهذا النوع من البناء يعود إلى مميزاته الكثيرة، من بينها أنه قليل التكلفة، وصديق للبيئة، كما أنه عازل للصوت والحرارة، مما يجعله مثاليا في المناطق الجنوبية الجزائرية التي تتميز بدرجة حرارة مرتفعة ».
تراث يحتاج إلى الترميم وإعادة التهيئة
وعن التحديات التي تواجه هذا المجال، يقول شريف للجزيرة نت « ابتعادنا عن عاداتنا وتقاليد أجدادنا الذين يعتمدون على البناء بالطين جعلنا نهمل هذا النمط بعدما ورثنا نمط البناء بالإسمنت، رغم أن البناء بالطين مرخص في الجزائر وقانوني، لكننا ما زلنا بعيدين كل البعد عن الدول التي حققت تقدما في هذا، مثل المغرب والمكسيك ».
وعن الإمكانات الطبيعية وتوافرها في الجزائر لنجاح هذا النمط، يضيف شريف « التربة موجودة، حيث تتوفر منطقة تيميمون على مجموعة كبيرة من أنواع التربة باختلاف الألوان، كما أننا نملك تراثا قديما مثل قصور منطقة أمدوكال، وتيميمون، وغوفي وغيرها في عدة ولايات، وبوجود المادة الأولية تنقصنا الإرادة والدراسة ».
من جهته، يقول نزار محمد الأمين (26 عاما) الذي درس الهندسة المعمارية في جامعة بسكرة (جنوب الجزائر)، في حديث للجزيرة نت « نملك في الجامعة ناديا علميا متخصصا في البناء بالطين، وكنت عضوا فيه، وشاركنا في الكثير من الدورات ونظمنا عدة ورشات للشباب والطلاب من مختلف التخصصات، بالإضافة إلى ذلك ننظم حملات توعية لإبراز أهمية استخدام الطين في البناء ».
ويضيف محمد الأمين « اهتمامنا بهذا النمط يعود إلى اهتمامنا بالأرض لأنها جزء من تراثنا، نحن نهتم بكل ما هو قديم وبالترميم وإعادة التهيئة، وفي الوقت نفسه إن التربة خصائصها جيدة من الناحية التقنية وكذلك الاقتصادية ».
تدريب الشباب على العمارة المستدامة
ويتطلع العاملون على تدريب الشباب والطلاب في مجال البناء بالطين إلى حماية وترقية هذا التراث الجزائري الذي يميز العديد من مناطق الوطن، لا سيما المدن الصحراوية، باعتباره طابعا معماريا تراثيا، وتحقيق ما يعرف بالعمارة المستدامة.
وحول هذا الأمر تقول رئيسة مكتب تثمين التراث الثقافي بمديرية الثقافة بباتنة أسماء غنام -التي أشرفت على تنظيم ورشات البناء بالطين مؤخرا- في حديث للجزيرة نت « قمنا بتنظيم ورش للشباب والطلاب المهتمين بالبناء بالطين بمنطقة أمدوكال للمحافظة على قصورها العريقة المبنية بالطين، التي ما زالت تحتفظ بطابعها العمراني والتعريف بها، ووصلتنا العديد من طلبات المشاركة من مختلف مناطق الوطن، في النهاية استفاد 15 شابا -بينهم إناث- من الورش التي قدمها أساتذة جامعيون ».
وتضيف أسماء غانم « يتلقى المشاركون معلومات عامة ومبادئ أولية حول تقنيات البناء بالطين والبناء الطوبي المعتمد منذ عصور غابرة بعدة مناطق في الجزائر ». وتضيف أسماء « عندما يتعلق الأمر بالتراث فإننا نوجه دعوة المشاركة للجميع من مختلف التخصصات، لأن الحفاظ عليه مهمة ومسؤولية الجميع مهما كانت درجتهم العلمية وتخصصاتهم ».
تقول خديجة زاوي -طالبة من الجزائر العاصمة، ومشاركة في تدريب على البناء بالطين- للجزيرة نت « يمكننا استلهام مبادئ العمارة البيئية المستدامة التي تعتبر ثورة المستقبل في البناء من الأجداد كونهم يعرفون المواد جيدا، ولم يستعملوا مواد بناء أخرى ومع ذلك تمتعوا بمزايا العمارة الحديثة من العزل الحراري والصوتي وغير ذلك ».
المصدر : الجزيرة