رئيس أركان الجيش يثني على كريم بوسالم الذي ينشط برنامج « في دائرة الضوء » في التلفزيون العمومي، وقد جاء الثناء في خطاب كان يتوقع الجزائريون أن يجدوا فيه معالم الخطوة التالية التي قد يخطوها الجيش بعد حديث الرايات الذي أثار الرعب من احتمالات حدوث شرخ في النسيج الاجتماعي.
ذكر رئيس الأركان الصحافي بالاسم، ومعه ذكر ضابطا ساميا متقاعدا وثلاثة أساتذة جامعيين شاركوا في النقاش الذي تخلل الحصة التي كانت مادتها الأساسية تقريران صادران عن وزارة الدفاع الوطني كل واحد مدته عشر دقائق أو أكثر بقليل، وقد تم إعدادهما لتقديم تمرين بياني أجراه الجيش في تندوف تحت مسمى إعصار 2019، ودون ذلك كان معظم حديث الأساتذة الثلاثة والضابط السامي إنشاءا يدور حول نقطتين أساسيتين، الأولى هي الإشادة بمستوى تدريب وتسليح الجيش والثانية هي التركيز على التلاحم بين الشعب والجيش، وفي المحورين كان التركيز واضحا على شخص الفريق أحمد قايد صالح وما يقوم به.
في الخطاب يصف رئيس الأركان المشاركين في الحصة بـ « هؤلاء الذين كانوا من خلال تحاليلهم وآرائهم الموضوعية مرآة حقيقية لما يجري في الجيش الوطني الشعبي من جهود تطويرية ولما يحدوه من آمال واعدة في سبيل الارتقاء بالقدرات القتالية والعملياتية لقواتنا المسلحة إلى ما يكفل لها التأمين الكامل لأمن الجزائر واستقرارها »، ومن الواضح أن هذا ما استدعى الثناء عليهم وذكرهم بأسمائهم في خطاب رسمي، وهو ما يشكل سابقة في الخطاب الرسمي، فالمتدخلون تحدثوا عن الدور الذي لعبه قايد صالح في تكوين الجيش، ووصل الأمر بالضابط المشارك إلى حد القول بأن هذا المستوى الذي بلغه الجيش هو ثمرة عشرين سنة من العمل في حين كان الآخرون، وهو يقصد بوضوح بوتفليقة وجماعته، يخربون البلد وينهبون المال العام، وهو حديث يستهدف الفصل بين قايد صالح وفترة حكم بوتفليقة رغم أن كل ما أنجزه الجيش كان بفضل « توجيهات فخامة رئيس الجمهورية وزير الدفاع الوطني القائد الأعلى للقوات المسلحة » كما كان يردد قايد صالح نفسه في جميع خطاباته طيلة السنوات التي قضاها على رأس قيادة الأركان.
من الواضح أن قايد صالح يحب الإطراء، وهو يضع شخصه في قلب الأحداث، فكل انتقاد له هو في النهاية جزء مما يصفه بـ « الحملات الدنيئة والمتكررة التي ما فتئت تتعرض لها قيادة الجيش الوطني الشعبي »، في حين أن كل ثناء عليه وتركيز على دوره الشخصي في تحسين قدرات الجيش هو عمل وطني مخلص يستحق الثناء، ولعل حديث الأساتذة عن دور رئيس الأركان والجهود الخارقة التي يبذلها من خلال زياراته الميدانية التي لا تتوقف والتذكير بجهاده ضد الاستعمار أثار إعجاب الفريق الذي كان قد ذكر هذه التفاصيل في خطاباته الأولى بعد خلع بوتفليقة قبل أن يعود إلى الحديث باسم قيادة الجيش.
سيكون صعبا التسليم بأن رئيس الأركان يتابع كل برامج التلفزيون العمومي كما ذكر هو في خطابه، وهذا يحيلنا على طرح سؤال جدي حول من يكتب خطابات المسؤول الأول في الجيش، فالمصطلحات الواردة فيها، والتركيز على بعض التفاصيل الشخصية، والردود التي تتضمنها على منتقدي رئيس الأركان، توحي كلها بأن الهدف الأول للخطاب هو إرضاء قايد صالح شخصيا، ولهذا نجد أن معظم تلك الخطابات تعتبر منتقدي قايد صالح مجرد أقلية لا تمثل شيئا وأن كل ما لا يعجب الفريق هو فعل صادر عن شرذمة متآمرة تخترق المسيرات السلمية وتريد توجيهها إلى غير الوجهة التي يبتغيها الشعب.
قد لا نجد ما نشبه به كيفية تناول الإعلام العمومي (التلفزيون تحديدا) والمتدخلين فيه لرئيس الأركان ونشاطه ودوره، أفضل من طريقة تناول هذا الإعلام وأولئك المتدخلين لبوتفليقة وسياساته خلال العقدين الماضيين، ومن المفارقات الغريبة أن من ضمن الذين أثنى عليهم قايد صالح في خطابه الأخير من ارتبطت أسماؤهم بكيل المديح لبوتفليقة وجميع خياراته، وقد بقوا في صفه إلى أن خلعه الجزائريون بثورتهم السلمية، وهذه مفارقة عندما ننظر إلى الجهد الذي يبذله هؤلاء لفصل قايد صالح عن عهد بوتفليقة والخراب الذي أسفر عنه، فنفس وسائل الإعلام، بنفس الأشخاص، وبنفس الأساليب في المحاججة تنتج نفس الإنشاء لإثبات حدوث التغيير الذي ثار الجزائريون من أجله، والأغرب من هذا كله أن يأتي المعني بالأمر شخصيا ليزكي الثناء الذي يحصل عليه بمجرد أن يصبح اسمه مكان اسم الرئيس المخلوع في خطاب الثناء.
سيكون صادما للجزائريين اختزال مؤسسة الجيش في شخص رئيس الأركان، فهذه المؤسسة التي عرفت بانضباطها واستقرارها وقلة الكلام، بقيت تمثل في وعي الجزائريين أقوى مؤسسات الدولة وأهمها، ومن هنا يبدو الخطاب الإعلامي والسياسي الذي يركز على تمجيد قايد صالح مناقضا أصلا لطبيعة الجيش الجزائري وتكوينه، لكن ليس هذا فحسب، فنوعية الخطاب الذي يقدمه رئيس الأركان توحي بعدم وجود رؤية واضحة وعدم استيعاب ما يجري في المجتمع، وهذا أمر مثير للقلق، وأسوأ من ذلك هو يخبرنا أن المؤسسة العسكرية لم تسلم من الرداءة التي تفشت في عهد بوتفليقة الذي شهد انتشار تمجيد الأشخاص على حساب الدولة والمؤسسات، وإذا كانت الكفاءات التي تزخر بها المؤسسة العسكرية أمرا مؤكدا فإنه من الحيوي إعطاء صورة عن المؤسسة تعكس الكفاءة من خلال تحسين عملية الاتصال، والعودة إلى التركيز على المؤسسة بدل الأشخاص، والاجتهاد لاستيعاب اللحظة التاريخية التي تمر بها الجزائر من أجل وضع الجيش في المكان الصحيح ضمن بناء الدولة التي تكون فيها السيادة للشعب.