septembre 26, 2019
23 mins read

بوصلة الثورة وتخبط السلطة بقلم رضوان بوجمعة

الجزائر الجديدة 112. بوصلة الثورة وتخبط السلطة

تسير الأمة الجزائرية في الشهر الثامن من ثورتها بخطى ثابتة ورؤية واضحة لما تريد توفيره كشروط من أجل تعبيد طريق بناء الجزائر الجديدة التي تقطع نهائيا مع نظام العصب والعصبيات والشبكات، التي دمرت الدولة وعطلت المجتمع وغرست الفساد والاستبداد كنسق حكم.

ما يحدث منذ ثلاثة أيام، يؤكد وبكل المقاييس أن الأمة الجزائرية تمكنت من ترهيب الترهيب وتخويف التخويف ودفن عنف السلطة وقمعها، كما تبين أن الثورة السلمية تسير ببوصلة واضحة وقد نجحت في إفشال كل مناورات السلطة المتتابعة، التي بدأت بالتخويف، ثم بمغازلة الثورة في الجمعة الثالثة، إلى حملات التشويه والتفرقة بعد إقالة أو استقالة بوتفليقة، إلى الحديث عن موت الحراك واختراقه، إلى تنظيم الدعاية والكراهية والعرقية والجهوية والجنون الأيديولوجي المفضوح ضد منطقة محددة من البلد بغية تفريق الثورة، إلى بداية التهديد والوعيد والاعتقالات التي لم تستثن كبيرا ولا صغيرا، ولا حتى المرضى والمسنين، مع تعتيم شامل من وسائل الإعلام العمومية والخاصة على كل ما يحدث في الشارع، إلى « انقلاب » قائد الأركان عن كل ما قيل من أن الحراك انتهى بعد الجمعة الثامنة لم يكن صحيحا، إذ جاءت هذه الجملة في خطابه أمس التي تعتبر تراجعا رسميا عن كل ما سبق: « الأشهر السبعة الأخيرة التي خرج فيها الشعب للتعبير عن مطالبه الشرعية بكل سلمية »، وهي الجملة التي تعتبر مؤشرا عن تغيير أو تعديل في خطاب القايد صالح من الترهيب والتخويف والتهديد إلى محاولة العودة إلى مغازلة الشارع التي وردت في كل خطاباته قبيل إسقاط بوتفليقة.

إقتراع 12 ديسمبر .. من الترهيب إلى الترغيب

فماذا يحدث بالضبط؟ وهل يمكن الجزم أن الثورة السلمية لها رؤية وبصر وبصيرة؟ وبأن السلطة اليوم تتخبط وهي فاقدة للبوصلة وللاستراتيجية؟ أم نحن أمام مرحلة جديدة من المناورات بغية فرض اقتراع ترفضه الثورة السلمية؟

يمكننا من قراءة مجموعة من أحداث 72 ساعة الماضية التأكيد على وجود محاولة لتراجع السلطة – ولو بشكل مؤقت – عن التخويف والقمع، ومحاولة إطلاق ما تسميه « الزبانية السياسية » لنظام الحكم لمجموعة من إجراءات التهدئة لتحضير الجو لتنظيم الاقتراع الذي تحول إلى غاية في حد ذاته، لذلك قد تستمر هذه الإجراءات وتتوسع تدريجيا في شكل مناورات لفرض الاقتراع الذي تحول إلى مشكل وجودي للسلطة، فهل تعترف السلطة بفشل محاولة المرور بالقوة؟ أم هي تحاول المرور من سياسة الترهيب إلى سياسة الترغيب؟ يمكننا الإجابة عن كل هذه الأسئلة من خلال المؤشرات التالية:

1- الافراج المؤقت عن الناشط السياسي كريم طابو اليوم، بعد أسبوعين من اعتقاله بتهمة واردة في المادة 75 من قانون العقوبات الجزائري، وهي إضعاف معنويات الجيش، مع وضعه تحت الرقابة القضائية لمتابعته بالتهمة ذاتها، وللتذكير فإن اعتقاله تتابعت معه حملة تخوين في البلاطوهات التلفزيونية من خلال ضيوف منتقين لهذا الغرض، وفي بعض الصحف الالكترونية التي لم تتردد في الحديث عن علاقاته ببعض الدوائر الأجنبية، بل هناك من كتب يقول عن خيانته للوطن، وغيرها من التهم، وقد كان رد الشارع على هذا الاعتقال قويا في كل ولايات الجمهورية، اعتقال تبعته اعتقالات أخرى من سمير بن العربي وفضيل بومالة وأكثر من 100 ناشط ومتظاهر، هذه الاعتقالات زادت المظاهرات زخما ونشاطا ورفضا للقمع وللاعتقالات ولاقتراع 12 ديسمبر.

فهل هذا الافراج المؤقت اتخذ من أجل إعطاء أدوات لممارسة الدعاية للمشاركة في الاقتراع؟ أم اتخذ لرفع شيء من الحرج عن بعض موظفي السياسة لإعلان ترشحهم للاقتراع في نهاية هذا الأسبوع وبداية الأسبوع القادم؟ ومن سيكون القادم في قائمة الذين سيفرج عنهم؟ ومتى يعلن عن ذلك؟

2- الطريقة التي أجريت بها محاكمة البليدة والأحكام التي أطلقت، تؤكد أن حرب العصب كانت ولا زالت كبيرة ولم تنته تداعياتها وتأثيراتها ولا عواقبها، وبأن سرعة المحاكمة وسريتها، تبين أن هذا الملف فيه الكثير مما يجب إخفاؤه، وبأنه كملف أصبح يقلق السلطة الفعلية اليوم، حيث لم يتمكن الجزائريون والجزائريات رغم خطورة التهم الموجهة لهؤلاء الذين تحكموا في مصير البلد منذ أكثر من 30 سنة أن يعرفوا ما حدث بالذات، خاصة وأن بعض هؤلاء لهم مسؤولية كبيرة في مقتل 200 ألف جزائري واختطاف واعتقال وتعذيب الآلاف، ولذلك سارت المحاكمة في طريق التخلص من الملف للمرور إلى ملفات أخرى قد تكون تأثيراتها الإعلامية أكبر في مجال ممارسة الدعاية الانتخابية، وهو ما بدأ مع إيداع وزير النقل السابق سجن الحراش ورفع الحصانة عن النائب بهاء الدين طليبة.

منظومة الدعاية … الاقتراع كأجندة أحادية

3- المنظومة الإعلامية الدعائية الخاصة والعمومية المغلقة أمام كل الآراء التي لا تتفق مع السلطة، تستمر في الدعاية لاقتراع 12 ديسمبر، وقد استخدمت حتى محاكمة توفيق وسعيد بوتفليقة ونزار من أجل الدعاية للاقتراع، فقد تمت دعوة « قضاة ومحامين وعسكريين متقاعدون »… وهم كلهم يقولون بهذا الخطاب، « لابد أن نذهب للاقتراع، لأن عدم المشاركة قد يؤدي إلى عودة « العصابة من جديد »، وهو خطاب دعائي يتواصل على مستويات عديدة، ومنها تسابق كل أدوات الدعاية لنشر أسماء المترشحين المفترضين من أجل فرض الاقتراع كموضوع أساسي في الأجندة الإخبارية، وهي دعاية مستمرة وستتصاعد في الأيام القادمة، خاصة وأن بعض هذه الأدوات بدأت في حملة تبييض مسارات عبد المجيد تبون وعلي بن فليس وعبد العزيز بلخادم وغيرهم.

الجديد في هذه الدعاية هو الحديث عن كريم طابو الذي لم ينشر خبر اعتقاله، وتم اليوم استخدام الافراج المؤقت لكريم طابو من أجل الدعاية لإجراءات تهدئة مفترضة للذهاب للاقتراع.

4- دعوة جيلالي سفيان لإلغاء اقتراع 12 ديسمبر بعد زخم الجمعة 31 وهو الذي شارك في حوار كريم يونس، وكان يرى في الاقتراع حلا، وإعلان أحمد بن بيتور عن عدم مشاركته في الانتخابات الرئاسية بالإضافة لمحمد السعيد وحزبه، غير أن أهم إعلان ودون أدنى شك هو إعلان عبد العزيز رحابي، وهو الذي كان و منذ بداية الثورة السلمية على اتصال دائم ومباشر مع السلطة الفعلية،وعمل على الحفاظ على علاقات ودية مع الحراك و السلطة في الوقت نفسه ، و رغم ذلك أصبح هو الآخر غير متحمس لاقتراع 12ديسمبر، ، فقد اختار منشورا مقتضبا للإعلان عن عدم ترشحه، حيث قال: « أود أن أبلغكم أنني لن أترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. أعبر على شكري وعرفاني للذين طلبوا مني الترشح وللذين رافقوني في جهدنا المشترك من أجل إيجاد حلٍ سياسي شامل وتوافقي للخروج من الإنسداد الذي تمربه بلادنا »، وهي رسالة واضحة أنه ليس مقتنعا بورقة الطريق الحالية، ورغم ذلك فهو لا يعلن صراحة عن رفضه الاقتراع، كما أنه لا يدعو للمشاركة فيه، ففي كل الحالات موقف رحابي يعطي مؤشر لخسارة السلطة لجزء مهم كانت تعول عليهم سابقا لإقناع الشارع بالذهاب الاقتراع.

كل هذه العناصر وغيرها تبين أكثر من أي وقت مضى أن الأمة الجزائرية تملك بوصلة ورؤية واضحة وبصيرة ثاقبة، فهي منذ 22 فيفري تخرج كأمة ترفض أن تقسم إلى جماعات وجهات ومناطق وأحزاب وأيديولوجيات، بل تريد أن تظهر في الفضاء العام كأمة واحدة وموحدة، بمطالب سياسية واضحة وهي القطيعة مع نظام العصب والعصبيات والشبكات، نظام أراد نقل تقاتل « نخبه » إلى المجتمع، بمحاولات كل عصبة لاستخدام الثورة لصالحه، فرفضت الأمة ذلك وهي تجدد رفضها لذلك منذ أكثر من سبعة أشهر، وقد كانت ردودها قوية ضد خالد نزار ومناوراته وشبكات توفيق وخبثها، وورقة طريق السلطة الفعلية اليوم التي نظمت خطة للمرور بالقوة بفرض اقتراع يعيد إنتاج المنظومة الفاسدة.

وفي مقابل هذا، يلاحظ أن السلطة تحاول اليوم الانتقال من سياسة الترهيب والتخويف لفرض الاقتراع إلى محاولة مغازلة الشعب من خلال استدعاء بعض المترشحين نهاية هذا الأسبوع والأسبوع القادم ، ودعوة بعض الوجوه الثقافية والدينية والرياضية لدعوة الجزائريين للمشاركة في الاقتراع، بعد أن فشلت سياسة القمع والترهيب والتخويف، ومن المحتمل أن تطلق السلطة أوراقا أخرى في هذا المجال، من توسيع اعتقالات وجوه الفساد، إلى إجراءات شعبوية أخرى قد لا نتصورها، إلى إقالة حكومة بدوي ومحاولة تعيين بعض الوجوه التي قد تلقى قبولا معينا، وفي كل الحالات فإن بوصلة الثورة ستواجه كل المناورات كما بدأت بقول واحد « أي اقتراع لا يكون نتاج توافق تاريخي في مسار تغيير شامل لنظام الحكم سيفشل »، لأن الثورة لها بصر وبصيرة ومطالبها موحدة بوحدة الأمة، في حين أن السلطة غارقة في المناورات والتناقضات وصراعات وتناحر العصب، ولذلك تنتقل من الترهيب إلى الترغيب، لكنها لا تعرف أن سياسة العصا والجزرة ماتت يوم 22 فيفري بعد انبعاث الأمة الجزائرية الواحدة والموحدة، التي تسعى لتأسيس مجتمع مفتوح يبني دولة المؤسسات، دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية.

الجزائر في 25 سبتمبر 2019
تصوير وتحرير رضوان بوجمعة

Article précédent

Détenus du Hirak : Un rapport sera transmis au conseil des droits de l’Homme de l’ONU

Article suivant

الجزائر: وقف عمل فريق « التلفزيون العربي » وسجن مراسل « الميادين » سفيان مراكشي

Latest from Blog

منظمة حقوقية تدين سجن ناشطة في الجزائر بتهمة الإرهاب بسبب أغنية

أعربت منظمة « شعاع » لحقوق الإنسان عن استيائها لإقدام السلطات الأمنية في الجزائر على اعتقال الناشطة الجزائرية جميلة بن طويس وما تعرضت له من تهم رأت المنظمة أنها « كيدية » من قبل السلطات على خلفية ممارستها لحقها في

« اليمين التكنلوجي »…كيف أصبح « وادي السيليكون » متطرفًا

« اليمين التكنلوجي »…كيف أصبح « وادي السيليكون » متطرفًا .تحليل موقع « ميديا بارت » الاستقصائي الفرنسي عبر صفحة الكاتب والصحافي خالد حسن: مدير تحرير صحيفة الأمة الإلكترونية إيلون موسك وبيتر ثيل، على رأسهم، يجمع اليمين التكنولوجي

BENHALIMA M. AZZOUZ, TORTURÉ EN DÉTENTION

ANCIEN OFFICIER MILITAIRE ALGÉRIEN, BENHALIMA M. AZZOUZ, TORTURÉ EN DÉTENTION, ALKARAMA APPEL URGENT AU RAPPORTEUR SPÉCIAL DE L’ONU SUR LA TORTURE Source : https://www.alkarama.org/en/articles/former-algerian-military-officer-benhalima-m-azzouz-tortured-detention-alkarama-urgently Le 12 mars 2024, Alkarama s’est adressée en
Aller àTop

Don't Miss

الجزائر الجديدة. طريق التوافق ومأزق « التواطؤ »

الجزائر الجديدة 149 – تحرير وتصوير رضوان بوجمعة طريق التوافق

الجزائر: ماذا بعد شهر من رئاسة عبد المجيد تبون؟

رضوان بوجمعة. 2020-01-13. assafirarabi.com كاتب صحافي وأكاديمي من الجزائر حراكُ