محفوظ بـــدروني. (نائب رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد)
28 أكتوبر 2019
المرحلة الإنتقالية هي فترة يتم ابتداء من انطلاقها إعلان وفاة النظام السياسي القائم منذ عام 1962 و يتم خلالها تفكيك دولة الفساد والاستبداد وتجريف مخلفات منظومة الحكم الاستبدادي وهذا بإبعاد كل من ساهم في ممارسات الحكم الظالم.. و انتهاء بتأسيس جمهورية جديدة تقوم على العدل و الحرية و تضمن العدالة الإجتماعية و الكرامة الإنسانية و تؤسس لدولة الحق و القانون و المؤسسات.. خلال المرحلة الانتقالية يجب إنجاز إصلاحات حقيقية و تغييرات جوهرية على منظومة الحكم و إدارة الدولة و المبادرة بإصلاح قانوني ومؤسساتي جذري للدولة من خلال ثلاث مسارات:
أولا – من خلال المسار التأسيسي:
1°) – بانتخاب و تنصيب هيئات و مؤسسات المرحلة الإنتقالية: بدء بالبرلمان الذي سيكون أعلى سلطة في المرحلة الإنتقالية.. و هذا البرلمان هو الذي يمنح الشرعية لبقية مؤسسات المرحلة الإنتقالية: رئيس الدولة المؤقت، رئيس و أعضاء الحكومة الإنتقالية، الجمعية التأسيسية، الهيئة الوطنية لتنظيم الانتخابات، مجلس الرقابة الدستورية و الهيئة العليا للسمعي البصري و الصحافة المكتوبة و الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
2°) – بإقرار دستور دائم للدولة الجزائرية: الذي يؤسس لدولة الحق و القانون و الحريات و يضمن إقامة نظام جمهوري يقوم على مبادئ السيادة الشعبية، التعددية السياسية، التداول السلمي على السلطة، الفصل و التوازن بين السلطات، استقلال القضاء، سيادة القانون و الحكم الراشد و المساءلة و المحاسبة.
3°) – بمراجعة جميع القوانين والتشريعات: الصادرة منذ الاستقلال بالغاء كل قانون أو تشريع أو أحكام تحد من ممارسة الحقوق و الحريات العامة الفردية و الجماعية و تجميد العمل بالقوانين و التنظيمات التي تتعارض مع مبادئ النظام السياسي المنشود و إصلاح القوانين لضمان الممارسة الحرة للعمل السياسي و الجمعوي و تضمن انتخابات حرّة ونزيهة وخالية من التزوير، و إنشاء هيئات تضمن نشاط إعلامي حرّ و مسؤول ومستقل.
4°) – بإعادة النظر في جميع الاتفاقيات و المعاهدات: التي أبرمها النظام غير الشرعي مع الدول و الشركات الأجنبية و العمل على تعديلها أو إلغائها إن اقتضى الأمر بما يحفظ مصالح الشعب و مقدرات الدولة الجزائرية.
5°) – بإقرار منظومة قانونية تتعلق بالنظام الإنتخابي: تشمل قانونانتخابي يحقق منافسة سياسية حقيقية و يضمن انتخابات حرة و نزيهة و شفافة كما تتضمن تأسيس سلطة وطنية تتولى مهام تنظيم الإنتخابات و تقسيم الدوائر الانتخابية والذي على أساسه تجرى أولى انتخابات نيابية، و رئاسية و محلية في ظل النظام السياسي الجديد و في إطار الدستور الدائم للدولة.
ثانيا– من خلال المسار الثوري:
بالتصدي للثورة المضادة و البدء بتفكيك الدولة العميقة بعدم تقديم من كانوا في النظام الاستبدادي لتصدر المشهد (و إن تابوا)، مباشرة عمليات تطهير مؤسسات الدولة و الهيئات العمومية من منظومة الفساد و الاستبداد و أعداء الحراك الثوري و أعداء التغيير و الفاسدين بما يضمن أن تكون أساسا في خدمة الشعب و الدولة و هذا في مختلف القطاعات بإقرار و سن قوانين ذات طابع ثوري مرحلي تهدف إلى القضاء على منظومة الفساد و الاستبداد و استئصالها نهائيا و اجتثاثها من الجذور من خلال:
1°) – منظومة العدالة الانتقالية: و التي تقوم على مبادئ الحقيقة فالمصارحة ثم العدالة فالمصالحة، و تضمن إجراء القصاص العادل في حق كل من تورط في الإجرام ضد المواطنين و انتهك حقوق الإنسان و تحقق سرعة الوفاء لحقوق الضحايا، و اتخاذ كل ما يلزم لبلوغ العدالة الناجزة والفاعلة في هذا المقام.. و هذا بالبحث و التحري و التحقيق في كل أشكال و أنماط الإنتهاكات المنتظمة المسجلة، و الكشف عنها أمام الرأي العام الوطني، و إجراء المتابعات القضائية و المحاكمات العادلة ضد المسؤولين و الأفراد المنفذين و تفعيل القصاص العادل و إنهاء سياسة الإفلات من العقاب و إقرار التعويض و جبر الضرر ثم بعد ذلك إجراء المصالحة المجتمعية.
2°) – منظومة مكافحة الفساد: و التي تضمن الكشف عن كل قضايا الفساد واسترداد ثروات الشعب المنهوبة بالداخل و المهربة إلى الخارج مع تشديد العقوبات ضد المتورطين في قضايا الفساد و إسقاط التقادم عن المتابعة و العقاب و إنصاف الضحايا و المبلغين عن قضايا الفساد..كما تهدف إلى تطهير المؤسسات و الهيئات القائمة من العناصر الفاسدة، و دعم الشرفاء والكفاءات والخبرات من أبناء هذه المؤسسات وإعادة بنائها على أسس سليمة.
3°) – منظومة تنظيم الحياة السياسية: و التي تتضمن إقامة الحياة السياسية على أسس سليمة و حظر جميع الأحزاب و التنظيمات و الجمعيات التي شكلت قاعدة دولة الفساد و الاستبداد و إقرار إجراءات العزل السياسي لمن تورط في الفساد و الاستبداد و تهدف إلى تطهير الممارسة السياسية مما شابها خلال فترة الحكم الاستبدادي عن طريق تأطير مباشرة الحقوق السياسية والمدنية بوضع ضوابط قانونية و أخلاقية صارمة تهدف بالأساس إلى إبعاد محترفي السياسة و سماسرة الإنتخابات من أن يكون لهم يد في رسم المشهد السياسي و إدارة شؤون الدولة.
ثالثا – من خلال المسار الإصلاحي:
إنجاز إصلاح شامل في جميع المجالات السياسية و الإدارية و القضائية و الإقتصادية و الإجتماعية و التعليمية و الثقافية و غيرها من المجالات يهدف إلى تهيئة الأوضاع و الأرضية أمام الحكومات المستقبلية بتجريف مخلفات النظام الاستبدادي البائد و تصفية آثاره المدمرة على العباد و البلاد و تسوية لمخلفات منظومة الفساد و الاستبداد و العمل على تفكيكها و هذا بالبدء بإجراء إصلاحات جوهرية و تغييرات عميقة في مختلف المجالات و شتى القطاعات من خلال:
1°) – المحافظة على استقرار الوضع الأمني و المؤسساتي: بإعطاء الأولوية الكبرى لاستعادة الأمن العام و السلم الإجتماعي و مواجهة كل محاولات زعزعة الإستقرار و تكدير السلم و الأمن وهذا ببسط سلطان الدولة و ضمان الأمن الداخلي و محاربة بؤر الصراع و إزالة مكامن التوتر في المجتمع و مع دول الجوار مع ضمان السير العادي للمؤسسات الإدارية و الإقتصادية و الإجتماعية و ضمان استقرار الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية و المعيشية لعموم الشعب.
2°) – العمل علي تحقيق العدالة و رفع المظالم: التي طالت المواطنين بإسقاط جميع العقوبات الظالمة و الأحكام القضائية الجائرة و القرارات الإدارية التعسفية مع تعويض المتضررين تعويضا عادلا و إنشاء هيئة إدارية قضائية (ديوان المظالم) تختص بالنظر في جميع المظالم التي طالت المواطنين منذ عام 1962 و إلغاء البوليس السياسي و غلق مراكز الاعتقال و التعذيب و تحقيق العدالة بالغاء الامتيازات غير المبررة التي تمتع بها مسؤولو النظام الإستبدادي الفاسد.
3°) – توفير الشروط لممارسة الحقوق و الحريات العامة و الفردية: بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين و عودة المواطنين المنفيين إلى الخارج إلى أرض الوطن و العمل على ضمان و احترام حقوق الإنسان والحريات العامة، و سيادة القانون والمواطنة والحفاظ على كرامة الإنسان و العمل على استعادة السيادة الشعبية و تفعيل المنافسة السياسية و السعي إلى إرساء دولة الحق و العدل و الحريات، دولة القانون و المؤسسات و تسيير المرحلة الإنتقالية بما يضمن ممارسة ديمقراطية سليمة و توفير مناخ صحي لإجراء انتخابات حرة و نزيهة.. و استعادة حيوية المجتمع المدني وتحريره من تبعيته للسلطة التنفيذية وتمكينه من أداء دوره الريادي كقاطرة للتنمية والنهوض و إطلاق حرية تكوين الجمعيات الأهلية و منظمات المجتمع المدني و المنظمات غير الحكومية و منظمات المجتمع المحلي مع تكريس حرية الإعلام وتداول المعلومات وحرية التنظيم النقابي، و سن القوانين والآليات والإجراءات التي تضمن ذلك.
4°) – العمل على تحقيق الدولة المدنية: و هذا بوضع منظومة قانونية و خطة عملية تهدف إلى إخضاع الجيش و مصالح الأمن المختلفة للدستور و القانون و السلطة المدنية الشرعية و تمنع العسكر من التدخل في الشأن العام و المجال السياسي و تبعدهم تماما من أن يكون لهم يد في رسم المشهد السياسي مع إعادة تنظيم القوات المسلحة العسكرية و إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بما يحقق مبدأ مدنية الدولة و بما يتوافق مع المهام التي يجب أن تضطلع بها هذه المؤسسات في ظل الدولة الديمقراطية.
5°) – التصدي للمشاكل الإقتصادية العاجلة و التنمية الإجتماعية: بسن قوانين واتخاذ إجراءات من شأنها محاربة الممارسات الإقتصادية والتجارية غير المشروعة و إرساء قواعد اقتصادية شفافة تمكن من تحقيق انطلاق نهضة إقتصادية شاملة و التوزيع العادل للثروة، و معالجة الإختلالات كمشكلة الفقر و البطالة و معضلة التوازن الجهوي و تحقيق الأولويات و توفير الضروريات، محاربة التبذير وهدر الموارد، معالجة الإختلالات و التجاوزات، إزالة أسباب الفشل و الإخفاقات، القضاء على مظاهر القصور و النقص، ، بإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مجال المحافظة على المال العام و مقدرات البلاد، و وقف النزيف في هدر الممتلكات العمومية.
6°) – العمل على استرجاع المكانة الدولية للجزائر: بتحقيق الاستقلال الوطني الكامل للجزائر، حماية الوحدة الوطنية و السلامة الإقليمية للبلاد و رفض التبعية و التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي، تفعيل دور الجزائر الإقليمي و الدولي على أساس الاحترام المتبادل، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول و المحافظة على المصالح المشروعة للدولة الجزائرية، النأي بالجزائر عن سياسة المحاور و الأحلاف، مناصرة حركات التغيير و القضايا العادلة و الشعوب المضطهدة في العالم و على رأسها قضية فلسطين، العمل على تحقيق الوحدة الشاملة لبلدان المغرب الكبير ثم البلاد العربية فالبلاد الإسلامية – على غرار دول الإتحاد الأوروبي – كمرحلة أخيرة و العمل على إحداث تغيير جذري في العلاقات الدولية و إصلاح شامل للمؤسسات الإقليمية و الدولية بما يتوافق مع مبادئ الديمقراطية و العدالة و المساواة و بما يتناسب مع احترام سيادة الدول و التنوع الحضاري للشعوب.
في الختام نؤكد و نلح على أن سياسة الإصلاح تهدف أساسا إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، دعم ما هو سليم و صحيح و إزالة ما هو فاسد و خاطئ مع تظافر الجهود و الإرادات المخلصة و دعم الأشخاص الذين يتولون مسؤولية الحكم و إدارة الدولة خلال هذه المرحلة الحرجة مهما كانت اتجاهاتهم و توجهاتهم خدمة للبلاد و العباد و مساعدتهم على حسن إدارة الدولة بالمشاركة البناءة و النصح و الإرشاد و تقديم المشورة مع مراعاة التدرج و المرحلية و أن ما لا يدرك كله لا يترك جله.